استخدام المياه الهامشية يُشكّل خيارًا جادًا من أجل الإنتاج الغذائي في الدول العربية الجافة
٢٨ يناير ٢٠٢٠
د.محمد السعيدي ، أستاذ بحوث مساعد ، مركز التنمية المستدامة ، جامعة قطر
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
إذا فتحت أي خريطة للتضاريس الأرضية حول العالم، ستجد منطقة الشرق الأوسط تفتقد اللون الأخضر في جميع الأنحاء. فالمنطقة تعاني من الجفاف الشديد، ومعظمها قاحل مع انخفاض مستوى هطول الأمطار وتدفق المياه، مع بعض الاستثناءات مثل السودان أوالمناطق الساحلية أو مجرى النهر والدلتا. في الواقع، يمثل توفير الغذاء الكافي لعدد السكان المتزايد تحديًا كبيرًا في المستقبل، لم يتم مواجهته حتى الآن سوى من خلال زيادة الواردات الغذائية. وتستعيض الدول العربية عن ندرة المياه المحلية بالمياه الافتراضية، وهو نوع غير مرئي من المياه يشير إلى المياه المتضمنة في واردات المنتجات الزراعية. ولكن هل يوجد خيار مستدام لزيادة الإنتاج الغذائي المحلي على الرغم من الندرة الشديدة في المياه؟ الجواب هو نعم، وقد تغاضى الكثيرون عن أنواع مياه يمكن استخدامها.ه
في بحث حديث شاركت في إعداده، قمنا في مركز التنمية المستدامة بجامعة قطر بتوضيح كيف يمكن لموارد المياه الأقل استخدامًا "المياه الهامشية" أن تعزز الزراعة المستدامة في البلدان العربية في منطقة الخليج. وتشمل هذه الموارد المياه المنزلية المستعملة المعاد معالجتها والتي غالبًا ما تسمى بـ مياه الصرف الصحِّي المعالجة، والمياه المنتجة وهي المياه المستخدمة في عمليات النفط والغاز، وكذلك المياه ذات مستويات الملوحة المختلفة. ويُعدّ استخدام تلك الموارد أمراً مُمكناً من الناحية التكنولوجية، ولكن استخدامها للإنتاج الغذائي لا يزال في مراحله الأولى في معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.ه
لا تُستخدم مياه الصرف الصحِّي المعالجة في منطقة مجلس التعاون الخليجي. ووفقًا لإحدى الدراسات التي أجريت، تجري معالجة نحو 56٪ فقط من مياه الصرف الصحِّي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، بينما يُعاد تدوير 43٪ فقط منها في المنطقة. وهذا يمثل 1.8٪ فقط من إجمالي موارد المياه. واستخدام هذه الموارد في المنتجات الزراعية الصالحة للأكل يتطلب مستوى عالًي من المعالجة ومراقبة جودتها. وعلى غِرار إعادة تدوير مياه الصرف الصحِّي المعالجة لاستخدامها في الشرب، وهو أمر شائع في بعض البلدان مثل سنغافورة، فإن استخدام مياه الصرف الصحِّي المعالجة في الإنتاج الغذائي المباشر لا يمثل خيارًا في الوقت الحالي. فنادراً ما يتقبل سكان المنطقة العربية تلك الاستخدامات بسبب عوامل صحية أو نفسية أو دينية.ه
ومع ذلك، بمجرد ضمان جودة مياه الصرف المعالجة ومراقبتها وكسب ثقة العامة بها، يمكن استخدامها على نطاق واسع. حتى مع عدم وجود لوائح رسمية تُنظّم تلك الاستخدامات، معظم البلدان على الصعيد الإقليمي التي تعاني من ندرة المياه تستخدم مياه الصرف الصحِّي المعالجة أو حتى مياه الصرف غير المعالجة التي تجد طريقها إلى تيارات الأنهار في الري. ولكن يُعد الاستخدام الأكثر شيوعًا لتلك المياه في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي هو زراعة الأعلاف وريّ الحدائق. كما توجد خطط لاستخدامات أخرى.ه
يمكن استخدام مياه الصرف الصحِّي المعالجة لإعادة تغذية المياه الجوفية، أو في محطات تبريد المناطق أو من أجل زراعة النباتات التي تتحمل الجفاف (النباتات الصحراوية)، وخاصةً الأنواع المحلية. وهنا، يعد تبريد المناطق من أكثر أنظمة التبريد كفاءة من حيث استهلاك الطاقة التي تستخدم المياه المبردة التي يتم توفيرها للمنازل في منطقة بأكملها من خلال محطة تبريد واحدة. ويزيد معدل استخدام أنظمة التبريد هذه في منطقة الخليج. والمشكلة الأساسية هي كيفية زيادة استخدام مياه الصرف الصحِّي المعالجة مع زيادة عدد محطات المعالجة (التي تستخدم التكنولوجيا بكثافة). وفي الغالب لا تتوفر البنية التحتية اللازمة لتوصيل المياه من محطات المعالجة إلى غرض الاستخدام المناسب، وفي المكان والوقت المناسبين. ومن أجل هذا، هناك حاجة ماسة إلى ضخ استثمارات كبيرة في خطوط الأنابيب. أو بدلاً من ذلك، زيادة الاهتمام بعملية التخطيط من خلال المشاركة في تحديد مواقع إقامة مشاريع الإنتاج الزراعي ومحطات المعالجة وتحسينها. وإذا قمت بمعاينة خرائط بعض المدن الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي، سوف تكتشف بحيرات ضخمة جديدة من مياه الصرف الصحِّي المعالجة مع تبخر بعض المياه أثناء انتظار استخدامها في المستقبل. ه
الركائز الأساسية للأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي تشمل الإنتاج المحلي. هذا مثال من وثائق تخطيط قطاع الغذاء في قطر.ه
يمكن النظر إلى استخدام المياه الهامشية على أنه أداة مهمة ضمن ركيزة الإنتاج المحلي. يمكن استخدام مياه الصرف الصحِّي المعالجة التي لا تزال تحتوي على بعض الملوحة حسب غرض الاستخدام النهائي. فعلى سبيل المثال، تمّ استخدام "المياه المنتجة" - وهو نوع من المياه المالحة يتم إنتاجه بشكل ثانوي من النواتج الهيدروكربونية – في أغراض الريّ في كاليفورنيا. ويتم إنتاج هذا النوع من المياه بكميات هائلة في أنشطة النفط والغاز في الخليج، كما يمكن استخدامها في زراعة الطحالب، بعد خضوعها للمعالجة. وتُعدّ الطحالب من الموارد الأخرى التي تتوفر على نطاق واسع في المنطقة، ويمكن استخدامها لزيادة إنتاج الغذاء. فالطحالب الدقيقة لها بعض الاستخدامات المحتملة كعلف للأسماك. وإنتاج الطحالب للاستفادة مما تحتويه من بروتين يمكن أن يُساهم في الأعلاف المائية المستخدمة في الاستزراع المائي.ه
وفي حقيقة الأمر، فإن الإنتاج السمكي ينطوي على إمكانات جيدة لتلبية الاحتياجات الغذائية المستقبلية في المنطقة. وهناك العديد من تركيبات المياه الأرضية (مثل مياه البحر أو المياه الجوفية المالحة لنمو النباتات الملحية) والزراعة البحرية (مثل مزارع الأسماك). وطورت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي (مثل المملكة العربية السعودية وقطر) هكتارات عديدة من أحواض الاستزراع المائي في البحر الأحمر أو الخليج. ويمكنهم الاستفادة منها في استزراع الأسماك والروبيان والأعشاب البحرية التي يمكن أن تُستخدم للغذاء الإنساني وأيضًا في الاستخدامات الصناعية مثل زراعة الغروانيات المائية أو لتنظيف المياه. وكل هذا يوضح أنه من الممكن دمج موارد المياه الهامشية المهملة واستخدامها لزراعة النباتات المحلية أو تلك المقاومة للجفاف أو الملح. ه
سيظل التحدي متمثلاً في زيادة استعمالات المياه الهامشية بطريقة فعّالة من حيث التكلفة وقابلية إعادة الاستخدام. أولاً، يجب زيادة الوعي بتلك الخيارات بينما تستطيع الحكومات تحديث أنظمة البنية التحتية وجودة المياه. ثانياً، يجب ترشيد الاستخدام غير المستدام للموارد المائية. وإلى جانب موارد المياه الجوفية المتضائلة، تُستخدم مياه التحلية في الري في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي. وغالبًا ما تكون المياه العذبة (سواء كانت مياه تحلية أو جوفية أو خضعت للمعالجة) رخيصة جدًا للمزارعين مما لا يُشجعهم على النظر في استخدام موارد المياه الهامشية. ه
أخيرًا، لقد حان الوقت لوضع خطط قومية متسقة وشاملة للأمن الغذائي تضم أنواع مختلفة من المياه واستخداماتها. والأمر لا يتعلق بتوفير خطط رسمية فحسب، بل يجب ضمان تنفيذ تلك الخطط. إلى جانب استيراد الغذاء، يُمكن تطوير الزراعة المستدامة المحلية. إن الإتيان بأفكار خارج الإطار التقليدي والنظر في الخيارات الأقل استخدامًا (الماء الهامشي) يعني الحصول على أفضل نتائج في ظل وضع سيئ (أيّ ندرة المياه). ه
ما جاء في هذه المقالة يستند إلى حد كبير على بحث أعده جيه.جيد براون، وبروبير داس و محمد السعيدي: الزراعة المستدامة في منطقة الخليج العربي / الخليج الفارسي باستخدام موارد المياه الهامشية: تحقيق أفضل نتائج في ظل وضع سيء، في الاستدامة 10(5)، 1364 ه