٣١ مارس ٢٠٢٠
لويز سارانت، مستشار مستقل للأمن الغذائي
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
التقط الصورة المصور وتار البحري
منذ ثلاثة عقود، انخفض الإنتاج المحلي للفول في مصر بصورة مفاجأة، حيث أدى مزيج من القرارات السياسية والتغيرات البيئية إلى تحطيم الاكتفاء الذاتي من المحصول لمصر، مما نتج عنه الآن اعتماد البلاد اعتمادًا كبيرًا على الواردات. نحاول بنشر هذه المدونة استكشاف العوامل المنهجية التي ساهمت في زوال أكثر بقوليات مصر قيمة وإلقاء الضوء على ضرورة أعادة إحياء زراعة الفول على ضفاف النيل.ه
إذا أمكن التعبير عن ثقافة الغذاء في مصر بمحصول واحد فقط، لكان الفول هو الرمز الأفضل. يُزرع الفول على ضفاف النيل منذ آلاف السنين وهو من أساسيات النظام الغذائي في مصر منذ عصر الفراعنة، فالفول هو الطبق الرئيسي في وجبة الفطور حيث يتم تناول الحبة البنية الصغيرة الغنية بالبروتين مطهوة بالغلي (الفول المدمس)، أو تؤكل مقلية كالفلافل (الطعمية)، أو مهروسة (البصارة)، أو طازجة كوجبة خفيفة، ونظرًا لشعبيته عند المصريين بجميع فئاتهم، تستهلك مصر نحو 6.3 كيلوجرامًا لكل نسمة في السنة (عودة 2017) وهي الكمية الأكبر على مستوى العالم.ه
وحتى وقتٍ قريبٍ، كانت زراعة الفول في مصر تكفي لتلبية الطلب المحلي بالإضافة إلى استخدامه كمحصول أساسي في نظم تدوير المحصول بسبب قدرة الفول على إدخال ما بين 150 إلى 300 كيلوجرامًا من النيتروجين الموجود في الجو إلى كل هكتار من التربة سنويًا (سينغ وأومراو 2013)، وبالتالي يساهم في تغذية الأرض بالمغذيات الحيوية وتعزيز محصول الحبوب التالي بطريقة طبيعية. ه
ولكن بداية من عام 1987، بدأت الأمور تتغير، حيث أوقفت عملية الإصلاح الاقتصادي والتحرر في القطاع الزراعي في مصر نظام تدوير المحصول الإلزامي الذي تشرف عليه الدولة والذي كان يحتل فيه الفول مكانًة أساسية. أدى ذلك، بالإضافة إلى دعم الدولة للسماد النيتروجيني، إلى خفض شعبية الفول لدى الكثير من المزارعين وتشجيعهم على الاتجاه لزراعة المحاصيل المعدلة كيميائيًا والأكثر جدوى من الناحية التجارية.ه
بعد ذلك في الفترة ما بين 1991 – 1993، تعرض إنتاج الفول لأكبر ضربة شهدها في تاريخه، فعلى مدار موسمين متتاليين، قضى مرض اصفرار وموت الفول الفيروسي الذي ينتقل من خلال حشرات المن على أكثر من 50 ألف هكتار من الفول، أي ما يعادل ثلث مساحة محصول الفول المزروعة في مصر، وهذا ما زاد من التوتر في العلاقة بين المزارعين والفول. يُضاف إلى ذلك، معاناة الكثير من المزارعين في صعيد مصر من انتشار آفة الهالوك، وهي نوع من الحشائش الطفيلية التي تصيب الجذور وتمتص العناصر المغذية من النبات، وأكد مرض اصفرار وموت الفول الفيروسي شكوك المزارعين المتعلقة بمخاطر زراعة الفول. في الأوضاع الزراعية حيث تتكون 80% من الأراضي الزراعية من حيازات بمساحة 3 أفدنة أو أقل، قد يشكل اختيار المحصول مسألة حياة أو موت، حيث تتمكن فقط قلة قليلة من المزارعين من تحمل محنة تلف المحاصيل والتعافي منها. ومنذ ذلك الحين، تقلصت مساحة الأرض المزروعة بالفول من 178.531 هكتار في عام 1991 إلى 32.532 هكتار في 2017 (قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة). ه
تطور الإنتاج المحلي واستيراد الفول، ٢٠٠٥-٢٠١٧. المصدر: وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (ملحق ١)ه
ومنذ منتصف التسعينات، اعتمدت مصر على استيراد الفول من استراليا وليتوانيا ولاتفيا والمملكة المتحدة لضمان توريد الفول بصورة منتظمة. أما في الفترة ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٧، كانت مصر تستورد متوسط ٣٢٨ ألف طن من الفول سنويًا بتكلفة حوالي ٢٠٠ مليون دولارًا أمريكيًا، وحتى يومنا هذا، لا تزال مصر هي المستورد الأكبر للفول حيث تستهلك ما يزيد عن ٥٠% من الصادرات العالمية، وهو ما يكفي نحو ٧٠% من الاستهلاك في مصر. ه
أكبر عشرة دول مستوردة حسب قيمة استيراد الفول، ٢٠١٧. المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
ومع مراعاة التحديات التي تتعلق بأمراض النباتات وانتشار الآفات ودرجات الحرارة المرتفعة وزيادة الملوحة وانخفاض غلال المحاصيل، يعمل العلماء في مركز البحوث المصرية والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة منذ منتصف التسعينات على تطوير أصناف من الفول كي تكون أكثر مقاومة، ولكن لم يتم الاعتراف بهذه الأصناف على نطاق واسع لعدم دراية المزارعين بوجودها. وقد أدى انخفاض التمويل العام في مجال البحث والتطوير الزراعي خلال العقود الأخيرة إلى قلة خدمات الإرشاد الزراعي، وتوقف الأيام والمدارس الحقلية المخصصة للمزارعين، وهما القناتان الرئيستان لعرض نتائج الأبحاث على المزارعين. ه
لا يمكن القول بأن إعادة تنشيط زراعة الفول في مصر ستكون مهمة سهلة، بل يقدر مركز البحوث الزراعية أن مصر تحتاج إلى زراعة ٣٢٠ ألف فدان (١٣٥ ألف هكتار) من الفول ليصل إلى ما يقرب من ٦٦٨ ألف طن بحلول ٢٠٣٠ لتصل إلى الاكتفاء الذاتي مرة أخرى إذا استمر نمو الاستهلاك والتعداد السكاني حسب التوقعات (عبدالرحمن، ٢٠١٩). ه
إليك بعض الأطروحات التي تؤيد إعادة تنشيط زراعة الفول في مصر على نطاق واسع:ه
بالإضافة إلى توفير ما يقرب من ٢٠٠ مليون دولارًا أمريكيًا التي تنفق على الواردات سنويًا، يساعد الفول على تثبيت النيتروجين بطريقة طبيعية مما يقلل من الاعتماد على الأسمدة النيتروجينية المدعمة لزراعة القمح، والتي تُكلف الحكومة ملياري جنيه مصري في السنة (سويد، ٢٠١٩). ه
ربما تحدث مفاضلة إيجابية بين دعم الأسمدة النيتروجينية التي تزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة ودعم الفول الذي يعتبر أحد المحاصيل الذكية مناخيًا لما له من فوائد غذائية عالية. ه
يمكن أن يكون استحداث نظام تدوير المحاصيل الذي تلعب فيه البقوليات دورًا مهمًا، مفيدًا للتربة وغلة المحصول وتغذية المزارعين في مصر. وقد يتم تكليف الجمعيات التعاونية بالإشراف على نظام التدوير الجديد للمحصول وإعادة بناء الثقة بين المزارع والمجتمعات الزراعية. ه
يمكن أن تستفيد مصر أيضًا من التجربة الهندية والتي فرضت تعريفات جمركية على استيراد البقوليات خلال موسم الحصاد المحلي لحماية إنتاج المزارعين المحليين. ه
ينبغي أن تزيد قيمة سهم الاستثمار العام في الزراعة، والذي يبلغ حاليًا ٢% من الناتج المحلي الإجمالي سعيًا وراء تعزيز الابتكار والبحث والتطوير ونقل التكنولوجيا وتنشيط الخدمات الاستشارية المقدمة للمزارعين. ه
لمحة عامة على تجارة الفول العالمية. المصدر: تريدج ٢٠١٩
المراجع:ه
عبدالرحمن أر، باحثة في معهد بحوث المحاصيل الحقلية التابع لمركز البحوث الزراعية، قسم البقوليات، وقدمت هذه المعلومات أثناء عرض قُدِم في المقر الرئيسي لمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة في سبتمبر/ أيلول ٢٠١٩. ه
مولتري أس، ستيوارت دي، راسل دبليو أر (٢٠١٥)، إمكانية اعتماد الفول كمصدر بروتين في المستقبل كبديل للحوم في النظام الغذائي البشري بصورة جزئية، مكتبة ويلي الإلكترونية.ه
عودة س. وآخرون، (٢٠١٧)، حل لسد الفجوة بين إنتاجية الفول واستهلاكه، (فصل) مستقبل الفجوات الغذائية في مصر، دار نشر سبرينغر إنترناشونال. ه
كرم صابر (٢٠٠٦)، السياسات والتشريعات الزراعية ومخالفات حقوق الإنسان في مصر، الدولية للدعاية والإعلان. ه
سينغ ايه كيه، امراو في كيه (٢٠١٣)، طريقة غير نقدية لإدارة أمراض الفول – استعراض، ميريت، هورت فلورا ريسيرش سبكترم. ه
سويد ايه، (٢٠١٩)، نظام السماد في مصر، القاهرة، ندوة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في مصر. ه