هل يتسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في نشوب أزمة غذائية أخرى؟ استعراض مبكر
٢٨ أبريل ٢٠٢٠
يوهان سوينن – مدير عام المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
يتسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في إيقاع الفوضى في شتى بقاع العالم، ولكن هل يتسبب في نشوب أزمة غذائية؟ يُفيد "يوهان سوينن"، بصفته مدير عام المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بارتهان هذه المسألة بمستوى ثراء أو فقر الفئات السكانية المعنية. ويعمد "يوهان" إلى استخلاص طائفة من الرؤى والآراء الثاقبة التي سبق وأن وردت في العديد من المقالات الصادرة في إطار هذه السلسلة بغرض التدليل على ضرورة التزام الحكومات بإقرار سياسات واعتماد برامج تستهدف تلبية الاحتياجات الفورية لدى الفئات السكانية التي ترزح تحت وطأة الفقر. - جون ماكديرموت، محرر مساعد ومدير برنامج الأبحاث المعني بالزراعة لدعم الصحة والتغذية) التابع إلى "الفريق الاستشاري للبحوث الزراعية الدولية". ه
وبناء على التكهنات التي تطرحها نماذج التوقعات التقديرية، واستناداً إلى دلائل تجريبية أولية، وفي ضوء الدروس المستفادة التي تم استخلاصها من أزمات سابقة، من المُرجح أن تتمثل الإجابة عن التساؤل المطروح بشأن "مدى تسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في نشوب أزمة غذائية" في عبارة ... "نعم ولا". وليست ثمة إجابة وحيدة تنطبق على الصعيد العالمي بشأن هذا التساؤل؛ حيث يتوقف مدى التعرض لنشوب أزمة اقتصادية على مستوى التنمية الاقتصادية. ومن هذا المنطلق، وفي حالة التمتع بالثراء، فقد ترد الإجابة على الأرجح بالنفي، ولكن في حالة المعاناة من غائلة الفقر، فقد ترد الإجابة على الأرجح بالإثبات. ه
تتضرر الفئات الفقيرة بمعدل مجحف جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) بناء على الأسباب التالية: ه
١- ينجم عن الكساد الاقتصادي العالمي تداعيات واسعة النطاق تتسبب في اختلال معدل دخل الفئات الفقيرة، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى إرباك مستوى الأمن الغذائي والتغذوي لديها
٢-على نطاق الأصول الإنتاجية، يؤثر فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في المقام الأول على العمالة، والتي تُعد بمثابة مورد الرزق الأساسي الذي تتكئ عليه الشعوب
٣-يتسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في إيقاع المزيد من الاضطرابات في سلاسل القيمة على مستوى القطاع الخاص داخل البلدان الفقيرة
٤-يؤدي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) إلى حدوث اختلالات في برامج القطاع العام المعنية بقضايا الغذاء، والتغذية، والصحة، والفقر، علماً بأن هذه القضايا تكتسي المزيد من الأهمية من منظور الفئات الفقيرة
٥-تعاني البلدان الفقيرة بشكل نسبي من تدني القدرات الاقتصادية القائمة لديها وهو ما يؤدي إلى تقويض إمكانية التعويض عن الأضرار الناجمة جراء تراجع معدل الدخل
ووفقاً للتكهنات المطروحة في إطار نماذج التقديرات الاقتصادية، وفي ظل الظروف الراهنة – أي، بناء على وفرة المخزون الغذائي بشكل نسبي، وجودة المحاصيل وارتفاع معدل انتاجها، وتدني أسعار النفط، وتراجع مستوى الطلب – لن تتصاعد أسعار الأغذية العالمية. ومن المتوقع أن تطرح المشكلات اللوجستية التي يتم التعرض لها في قطاعي الحصاد والنقل ضغوط تصاعدية على أسعار المواد الغذائية في بعض بقاع العالم. ومن قبيل المفارقات، ربما يتمثل السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية في ممارسات الاكتناز وسلوكيات التكديس الصادرة عن المستهلك الاستهلاكية وعن الحكومات على حد سواء، وليس جراء الأوضاع القائمة في السوق. وعلى الرغم من تعدد التقارير الفنية الصادرة عن الخبراء والتي تقترن بإسداء المشورة الاقتصادية التي توصي بتلافي تكرار نفس الأخطاء التي سبق ارتكابها خلال الأزمة الغذائية التي شهدها العالم خلال الفترة ما بين عام ٢٠٠٧ وعام ٢٠٠٨. أقدمت العديد من الحكومات على فرض ضوابط تجارية على تداول المواد الغذائية (الرجاء الاطلاع على نظام تتبع الضوابط المفروضة على الصادرات الغذائية المُعتمد من جانب المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية). وعلى الرغم من ذلك، وحتى في حالة عدم تسجيل تصاعد كبير في أسعار المواد الغذائية، من المُرجح أن يتدهور وضع الأمن الغذائي بين الفئات السكانية الفقيرة وبمعدل حاد في شتى أنحاء العالم. ه
© ديفيد تالوكدار / شاترستوك
تراجع مستوى الدخل وانحدار معدل الأمن الغذائي والتغذوي
يؤدي الركود العالمي، الناجم عن إجراءات الإغلاق وغيرها من الضوابط المفروضة على النشاط التجاري بهدف كبح جماح جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩)، إلى تناقص معدل استهلاك المواد الغذائية وتراجع الوضع التغذوي – ولاسيما بين الفئات السكانية الفقيرة. وسواء جراء تصاعد أسعار المواد الغذائية أو تراجع مستوى الدخل أو الأمرين معاً، سوف يعاني الانسان من تقلص مستوى الدخل الفعلي اللازم لسداد قيمة المواد الغذائية التي يحتاج إليها وهو ما يقتضي التكيف والتأقلم مع الوضع وفقاً لذلك. ويتفاقم هذا التأثير كلما انحسر مستوى الدخل الذي يتقاضاه المرء، وهما يُفيد بتعرض الفئات السكانية الفقيرة لمزيد من الصعاب في هذا السياق. وحسب تكهنات النماذج العالمية، ومقابل كل نقطة مئوية من التباطؤ الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن تتزايد أعداد الأشخاص الذين يرزحون تحت وطأة الفقر بنسبة تتراوح بين اثنين في المائة (٢٪) إلى ثلاثة في المائة (٣٪) أو بما يتراوح بين أربعة عشر (١٤) إلى ثلاثة وعشرين (٢٣) مليون نسمة على الصعيد العالمي. وعلى الرغم من ذلك، تتبلور التأثيرات الصحية والاقتصادية بصور جليَّة في البلدان النامية، مقارنة بالوضع في البلدان المتقدمة، الأمر الذي يقترن بتداعيات وخيمة حادة تؤدي إلى تفاقم معدلي الفقر والجوع. ه
تؤكد دراسة أولية تم إجرائها بواسطة روزيل وآخرون (عام ٢٠٢٠) على تعرض الأسر المعيشية الريفية في الصين لمثل هذه التداعيات. ونظراً لانقطاع مصادر دخل الأسر، حيث تسببت الضوابط المفروضة على ترتيبات السفر والتنقل جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في الحيلولة دون مزاولة المهن ذات الأجور والمتاحة في المناطق الحضرية، تكبدت العمالة خسائر فادحة في معدلات إيراداتها بقيمة تتجاوز مائة مليار دولار. وأقدمت هذه الأسر على تقليص مستوى إنفاقها على أغراض التغذية بمعدل ملحوظ. وعمدت الغالبية العظمى من الفئات السكانية الريفية إلى خفض الإنفاق على المواد الغذائية، وهو ما يعني بالتبعية ابتياع المزيد من الحبوب والمواد الغذائية الأساسية بكميات كبيرة وعلى أساس تكلفة زهيدة عوضاً عن شراء سلع غالية الثمن، من قبيل اللحوم والغلال الزراعية. ه
تواجه الفئات الأشد فقراً تداعيات حادة جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩)، نظراً لتأثير هذا الفيروس بشكل مباشر على أبرز الموارد الإنتاجية المتاحة لديها، وربما المورد الوحيد في بعض الأحيان، والذي تتكئ عليه هذه الفئات السكانية في كسب الرزق: والذي يتمثل في العمالة، ولاسيما العمالة البدنية. وتتمتع الشرائح الثرية في المعتاد بحافظة من الموارد والأصول الإنتاجية، من قبيل رأس المال والأراضي، كما تتميز العمالة بين فئات الأثرياء في المعتاد بطابع مختلف: وحتى في حالة الاضطرار إلى ملازمة منزل مستقل وسط المدينة أو الانعزال بين جدران شقة قابعة في بلدة صغيرة، يسعها مزاولة العمل عن طريق الحاسوب الآلي (الكمبيوتر) وعبر شبكة الانترنت، مع قضاء ساعات إنتاجية في الاتصال عبر البريد الالكتروني والتواصل من خلال "برنامج زووم لاتصالات الفيديو". ولا ينطبق هذا الوضع على الفئات السكانية الفقيرة التي تعاني من تدني المهارات، والتي من المُرجح أن يعتمد مصدر دخلها الوحيد على مغادرة المنزل بهدف مزاولة الأعمال اليدوية. ه
تشتد الأضرار التي تلحق بالفئات الفقيرة التي تضطر إلى السفر والتنقل في سبيل مزاولة العمل جراء الضوابط المفروضة بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩). وتُشير الدراسات إلى اتساع نطاق التداعيات السلبية التي تعاني منها الأيدي العاملة الوافدة عبر العديد من الفئات السكانية، بما في ذلك: الفئات الريفية – الحضرية (كما هو الحال في الصين – الرجاء الاطلاع على روزيل وآخرون (٢٠٢٠)، أو الفئات الأجنبية (كما هو الحال في مصر – الرجاء الاطلاع على بريسينجر وآخرين (٢٠٢٠))، أو الفئات الريفية – الريفية (كما هو الحال في الهند، حيث تضطر العمالة المُعدمة غير المالكة لأراضي إلى السفر والتنقل للالتحاق بفرص عمل موسمية، بما في ذلك على سبيل المثال في قطاع الحصاد). ه
وقوع اضطرابات في سلاسل القيمة على مستوى القطاع الخاص
قد يتعرض مجال الحصاد للاضطراب جراء الافتقار إلى أيدي عاملة؛ أو جراء غياب ممارسات الزراعة بسبب نقص البذور أو الأسمدة؛ أو جراء نقص وسائل التنقل بسبب الحد من مرافق النقل والمواصفات؛ أو انعدام فرص التداول في الأسواق بسبب تدابير الإغلاق أو التباعد الاجتماعي. ونحن نشهد اضطراب النظام الغذائي على غرار الأحداث التي وقعت أثناء العمليات الانتقالية التي تم الاضطلاع بها خلال حقبة التسعينات في أعقاب تداعي سلاسل العرض والإمداد. وأبرزت مثل هذه الخبرات تفاوت التأثيرات الناجمة بمعدلات حادة، بناء على طبيعة السلع، ومدى كثافة موارد النُظم، ومستوى التنمية الاقتصادية. ه
وعلى الرغم من ذلك، وخلال فترة التسعينات، تمثل عنصر الإنتاج الرئيسي الذي تعرض للتضرر وقتئذ في رأس المال – الرجاء الاطلاع على روزيل وسوينن (٢٠٠٤). وفي الوقت الراهن، وعلى النحو المُشار إليه أعلاه، يتوقف معدل الاضطراب في المقام الأول على الضوابط المفروضة على العمالة. ونتيجة لذلك، ينحسر معدل تضرر سلاسل القيمة الغذائية القائمة على كثافة رأس المال في نطاق ضيق (والتي تتمركز في المقام الأول في بلدان غنية أو في مناطق ثرية داخل بلدان فقيرة) وذلك مقارنة بسلاسل القيمة القائمة على كثافة الأيدي العاملة (والتي تتمركز في المقام الأول في بلدان فقيرة). ويشير ريردون وآخرون (٢٠٢٠) إلى تعاظم التداعيات على المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تنتمي إلى القطاع غير الرسمي، والقائمة على كثافة العمالة وهو ما يقترن بارتفاع معدل كثافة العمالة في مساحات صغيرة. وتعاني الشركات الحديثة العاملة في مجال البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية من مشكلات محدودة مقارنة بغيرها من الشركات. ومجدداً، تؤثر هذه التفاوتات على وضع الأمن الغذائي بين الفئات الفقيرة بمعدل مُجحف وبصور غير متكافئة. ه
وقوع اضطرابات في برامج القطاع العام
يتسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) في إيقاع الفوضى في برامج القطاع العام المعنية بقطاعات الأغذية والتغذية والصحة والفقر، والتي تعتمد عليها الفئات السكانية الفقيرة. وعلى سبيل المثال، اقتضت لوائح الإغلاق والتأمين التي أقرتها الهند إقفال المدارس. ويُفيد هذا الوضع بتعليق برامج التغذية المدرسية – والتي تُعد بمثابة أبرز شبكات الأمان القائمة على مستوى البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، تضررت شبكات أمان أخرى، بما في ذلك على سبيل المثال برامج التغذية التي يتم تقديمها في إطار جلسات جماعية على مستوى المجتمعات المحلية لصالح النساء الحوامل والأمهات المُرضعات. وتعرضت برامج صحية أساسية، من قبيل برنامج تطعيم وتحصين الأطفال، للارتباك بدورها. وبطبيعة الحال، تواجه برامج الإغاثة الغذائية العامة خطورة تعريض المزيد من السكان للإصابة بالفيروس عن طريق اجتذاب حشود غفيرة عند نقاط توزيع المواد الغذائية. ه
محدودية القدرة الحكومية على التعويض عن الأضرار
بينما تجاوبت العديد من الدول المتقدمة مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) عن طريق تكثيف معدل الإنفاق وتفعيل سياسات نقدية محددة، ربما تنحسر الخيارات المتاحة أمام البلدان النامية في نطاق محدود. ويقتضي الوضع من البلدان النامية تحديد الأولويات القائمة لديها، عن طريق توجيه آليات الاستجابة المتاحة نحو تعزيز الصحة، وتوفير السلع والخدمات الأساسية، وتعزيز التداولات المالية الداخلية بالعملة المحلية، ودعم سوق العملة الأجنبية المرتبط بالمعاملات التجارية الدولية والديون الخارجية. ويمكن أن يُسهم هذا النهج الهادف في دعم الإنفاق العام المالي على برامج محددة، من قبيل برامج التحويلات النقدية وبرامج شبكات الأمان التي تستهدف الفئات الفقيرة والمستضعفة، وبرامج الاستثمارات العامة الرامية إلى دعم استمرار الشركات في مزاولة نشاطها. وفي ذات الوقت، يضطلع المجتمع الدولي بدور حاسم في دعم آليات الاستجابة التي تعتمدها البلدان المختلفة، بما في ذلك المنظمات الدولية، ومنها على سبيل المثال البنك الدولي، ومنظومة الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن المصارف الإنمائية متعددة الأطراف. ه
وفي إيجاز، تؤدي العديد من العوامل المتشابكة إلى تفاقم التداعيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) بما قد يتسبب على الأرجح في نشوب أزمة غذائية حادة أخرى بين الفئات الفقيرة. وفي سبيل تفادي نشوب أزمة غذائية، يتعين على الحكومات تطبيق سياسات وبرامج تستهدف أبرز الفئات السكانية المتضررة إلى جانب المساعدة في التصدي إلى التأثيرات السلبية الناجمة. ه
صدرت هذه المقالة للمرة الأولى ضمن سلسلة تحليلات خاصة تناولت التأثيرات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – ١٩) على مجالات الأمن الغذائي والتغذوي والفقر والتنمية على الصعيدين الوطني والعالمي. وجرى تحرير سلسلة المدونات من قبل كل من جون سوينين بصفته مدير عام المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وجون ماكديرموت بصفته مدير برنامج الأبحاث المعني بالزراعة لدعم الصحة والتغذية التابع إلى "الفريق الاستشاري للبحوث الزراعية الدولية. للاطلاع على السلسلة الكاملة، الرجاء النقر على هذا الرابط (هنا). وبالإضافة إلى ذلك، تم نشر هذه المقالة عبر مدونة التحالف العالمي لتحسين التغذية. وتعبر التحليلات ووجهات النظر الواردة في هذه المقالة عن قناعة المؤلف بشكل حصري. ه