الفاقد والمُهدر من الأغذية في زمن كوفيد-١٩: دور المزارعين والوسطاء والمستهلكين في عملية صنع القرارات الرئيسية
١٢ مايو ٢٠٢٠
جوزيمو سانتوس روشا - مسئول الصناعة الزراعية (سلاسل القيمة والأعمال التجارية الزراعية)، مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية .ة
شكّل الفاقد والمُهدر من الأغذية تحديًا في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا قبل أزمة كوفيد-١٩ بفترة طويلة، وتتسبب هذه الكارثة، التي سرعان ما أصبحت أزمة اقتصادية، في اضطراب النظم الغذائية، وينعكس ذلك في ارتفاع مستويات الفاقد والمُهدر من الأغذية. تؤثر تدابير احتواء الأزمة والوقاية منها على الشبكة المعقدة للتفاعلات على طول سلاسل القيمة، وتشمل هذه الشبكة المنتجين ومقدمي المدخلات/ الخدمات والوسطاء والمستهلكين.ة
تشير التقديرات العالمية إلى أنه قبل أزمة كوفيد-١٩، فُقدت نسبة ١٣.٨% من الأغذية التي تم إنتاجها للاستهلاك البشري في عام ٢٠١٦ منذ خروجها من المزرعة وحتى المرحلة التي تسبق بيعها في أسواق التجزئة. وتبلغ هذه النسبة في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا حوالي ١١% (منظمة الأغذية والزراعة ، ٢٠١٩). بإضافة أسواق البيع بالتجزئة والاستهلاك، تفقد المنطقة ما يصل إلى ٢٥٠ كجم من الأغذية لكل شخص سنويًا، ويتجاوز هذا الرقم المتوسط العالمي. في بلدان منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، يبلغ متوسط نسب الفاقد أو المُهدر من الأغذية؛ ١٤- ١٩٪ من الحبوب، و٢٦% من الأسماك والمأكولات البحرية، و١٣% من اللحوم، و ٤٥% من الفواكه والخضروات (منظمة الأغذية والزراعة، ٢٠١٤).ة
مع تزايد الزخم نحو الحد من الفاقد والمُهدر من الأغذية، وتحديدًا في زمن كوفيد-١٩، لاحظنا اتجاه محللي السياسات والممارسين إلى التركيز على ما ينبغي اعتباره فاقد أو مهدر، وعلى قياس الكميات الفعلية للفاقد. ومع ذلك، لا يتم التطرق إلى العديد من الأسئلة المهمة مثل، هل ينبغي أن يستهدف صناع السياسات القضاء على الفاقد والمُهدر من الأغذية؟ هل هناك مستويات مقبولة، بل ومثالية من وجهات نظر البعض للفاقد والمهدر من الأغذية؟ لماذا نلاحظ ارتفاع معدلات فقد الطماطم مقارنةً باللحوم القابلة للتلف؟ وكيف يتم تحديد الفاقد عبر سلاسل القيمة الغذائية؟ وكيف يؤثر الحد من معدلات الفاقد في بداية السلاسل الغذائية على الفاقد في نهايتها؟ وهل سيقلل ذلك من إجمالي الفاقد في سلسلة القيمة الغذائية؟ تدعو هذه الأسئلة إلى التفكير في الأسباب التي تؤدي إلى فقد أو هدر الأغذية من حيث خيارات وسلوكيات الوكلاء الاقتصاديين، والحوافز التي تدفعهم للحد من الفاقد، والآليات المطبقة لتنفيذ الإجراءات التي تؤثر على الفاقد في سلاسل القيمة الغذائية.ة
يركز عملنا الأخير على منظور اقتصادي تحليلي حول أسباب فقد الأغذية وما إذا كانت هذه الأسباب منطقية أو مثالية من منظور الوكلاء الاقتصاديين. يحدد الوكلاء الاقتصاديون مستويات الفاقد والمهدر من الأغذية من خلال عمليات صنع القرار، وتحقيق التوازن بين الفوائد والتكاليف للحد من الفاقد بالنظر إلى الموارد والقيود التكنولوجية. يمكننا فهم هذه القرارات الصغيرة بالنظر إلى ثلاثة وكلاء اقتصاديين:ة
١-المزارعون، وهم من ينتجون الأغذية ويحددون الفاقد ابتداءً من مرحلة الحصاد، حيث يكون عليهم المفاضلة بين تقليل الفاقد وتعزيز الإنتاجية النهائية، التي ترتبط غالبًا بالحجم. على سبيل المثال، سيساهم الانتقال من الحصاد اليدوي إلى الحصاد الميكانيكي في زيادة الإنتاجية، ولكن من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة الفاقد.ة
٢-الوسطاء، الذين تُشكل لهم الأغذية أحد المدخلات، حيث يتم تحويل الأغذية وبيعها. وعلى عكس المزارعين، هناك حوافز واضحة تدفع الوسطاء للحد من خسائرهم المتوقع أن تقل مع الحجم. على سبيل المثال، هل يمكنك إنتاج كميات أكبر من المعكرونة مع زيادة نسبة فاقد القمح؟
٣-المستهلكون الذين تنتهي معهم سلسلة القيمة الغذائية. يوازن المستهلكون بين التكلفة النقدية للأغذية والتكلفة الزمنية المطلوبة للحصول على الأغذية وإعدادها. تتوقف استجابة المستهلكين الفقراء على ارتفاع الأسعار، وربما يفضلون تقليل الفاقد من أجل زيادة الدخل، حيث يتجه المستهلكون نحو زيادة فاقد الأغذية عندما ترتفع دخولهم.ة
هناك سمة مشتركة تجمع بين هؤلاء الوكلاء الاقتصاديين، وهي سعيهم جميعًا للاستخدام الأمثل للموارد المتاحة أمامهم. تؤثر الخسائر على إنتاجية الوكلاء الاقتصاديين، وتنعكس التغيرات في إنتاجيتهم من خلال الأسعار. لذلك، من المحتمل أن يؤثر الفاقد من الأغذية من أحد الجوانب على المراحل الأولى والأخيرة من سلاسل القيمة الغذائية.ة
في مشروع نفذته منظمة الأغذية والزراعة في تونس، تمت دراسة سلاسل قيمة القمح، وتوصلت هذه الدارسة إلى أنه وفقًا لما يراه المزارعون، بلغت نسبة فاقد القمح ٧٫٣٪ في محافظة سليانة و ٤٫٦٪ في محافظة بنزرت. وتجدر الإشارة إلى أن المزارعين ربطوا هذا الفاقد بممارسات الحصاد واعتبروا "تركيب" الحصادة في الحقول قبل كل استخدام هو الإجراء الأكثر أهمية لتقليل الفاقد، ويعمل ذلك وحده على تقليل الخسائر بمقدار ٢٫٦ نقطة مئوية، أي بواقع ٥٠٪ تقريبًا من متوسط الفاقد المتوقع.ة
أوضح التحليل التجريبي لهذه البيانات، أولاً، أن المكاسب الناتجة عن تركيب الماكينة تتناقص مع زيادة المساحة. فبالنسبة للمزارع التي تتراوح مساحتها ما بين ٠-٣ هكتار ، يمكن تقليل الفاقد بنسبة ٣٪ تقريبًا، في حين أن نسبة تقليل الفاقد لا تُذكر وليس لها أي دلالة إحصائية للمزارع التي تزيد مسحتها عن ٣٥ هكتارًا.ة
الآثار الهامشية لاستخدام الحصادة قبل الحصاد بحسب مساحة الأرض
الأراضي المزروعة بالحبوب (بالهكتار) | الفاقد من الحبوب بتركيب الحصادة أو بدون تركيبها (%) | |||
بالحصادة | بدونها | الفرق |
الفرق القيمة الاحتمالية |
|
0-3 هكتار | 9.4 | 6.4 | -2.9 | 0.0 |
3-8 هكتار | 7.4 | 4.8 | -2.6 | 0.0 |
8-35 هكتار | 5.3 | 3.1 | -2.2 | 0.0 |
> 35 هكتار | 0.04 | 0.0 | -0.04 | لا بنطبق |
المصدر: أنريكيز وآخرون، ٢٠٢٠
ثانيًا، تحقق المزارع الصغيرة في محافظتي سليانة وبنزرت أكبر الإيرادات لكل هكتار من مساحتها، وتقل هذه الإيرادات مع صغر مساحة المزرعة. ومع ذلك، عند توزيع إجمالي المكاسب على مساحة المزرعة بأكملها، تكون مكاسب المزارع الصغيرة ضئيلة (٥٫٢- ١٥٫٦ دولار أمريكي). يضع صغار المزارعين في اعتبارهم تكلفة تركيب الحصادة في الحقول من حيث وقت الإيجار الإضافي والعمالة المؤهلة، وقد يكون قرارهم صائبًا إذا لم يتصرفوا على هذا النحو.ة
الحد من الفاقد من حيث الإيرادات بحسب مساحة المزرعة
المنطقة | 0-3 هكتار | 3-8 هكتار | 8-35 هكتار | >35 هكتار | الإجمالي |
متوسط الحد من الفاقد لكل هكتار (دولار أمريكي) | |||||
بنزرت | 7.8 | 8.6 | 8.5 | 7.2 | 8.1 |
سليانة | 2.6 | 1.4 | 0.7 | 0.5 | 1.4 |
الإجمالي | 3.7 | 3.8 | 5.0 | 2.4 | 3.8 |
متوسط الحد من الفاقد لكل مزرعة (دولار أمريكي) | |||||
بنزرت | 15.6 | 47.6 | 127.5 | 1.451.2 | 368.9 |
سليانة | 5.2 | 7.3 | 9.5 | 159.4 | 47.5 |
الإجمالي | 7.4 | 20.7 | 74.6 | 538.3 | 158.5 |
المصدر: أنريكيز وآخرون، ٢٠٢٠ (بناء على سعر البيع بتسليم المزرعة ١٥٠ دولار أمريكي/طن)ة
غالبًا ما يُعزى الفاقد في محصول الطماطم في مصر إلى الحواف الحادة الخشنة للسلال المصنوعة من جريد النخل التي تُستخدم لنقل الطماطم من المزرعة إلى أسواق البيع بالتجزئة. اقترح الخبراء استبدال هذه السلال التقليدية بسلال بلاستيكية يمكن رصها فوق بعضها البعض للتقليل من الفاقد. قامت منظمة الأغذية والزراعة مؤخراً بقياس وتحليل الفاقد في سلاسل قيمة الطماطم بدءًا من التعبئة وحتى النقل، ومن المزرعة حتى أسواق البيع بالتجزئة، مع المقارنة بين تقنيات التعبئة التقليدية والمحسنة. وأجريت دراسة حول استخدام سلال بلاستيكية بسعة ١٠كجم و ٢٢ كجم.ة
التأثيرات الهامشية لطريقة التعبئة المستخدمة، مقارنةً بالسلال المصنوعة من جريد النخيل في اليوم الواحد
المصدر: أنريكيز وآخرون، ٢٠٢٠
في الواقع، تقلل السلال البلاستيكية الكبيرة من الفاقد، ولكن بنسبة ضئيلة جدًا لا يكن لها جدوى اقتصادية ما لم تتجاوز تلك السلال عمرها الافتراضي المتوقع. ويكاد يكون من المؤكد أن اختيار المزارعين والوسطاء السلال المصنوعة من جريد النخيل التي تؤدي إلى فاقد أكبر هو التصرف الصائب. وربما يكون من الممكن الاتجاه نحو استخدام حاويات بلاستيكية في المستقبل إذا ارتفع سعر الطماطم، أو إذا ارتفعت تكلفة السلال التقليدية نتيحة لارتفاع الأجور.ة
لا تعني هذه النتائج رجوح كفة المصالح الاقتصادية على كفة اهتماماتنا الأخلاقية والاجتماعية والبيئية المتعلقة بالفاقد والمهدر من الأغذية، ولا يعني أيضًا أن علينا قبول الفاقد والمهدر من الأغذية ببساطة على أنه تكلفة ممارسة الأعمال التجارية. بل على العكس من ذلك، ينبغي علينا جميعًا بذل قصارى جهدنا للتصدي لهذه المشكلة التي يمكن علاجها والقضاء عليها. ومع ذلك، يجب علينا ألا نقلل من التأثير القوي للحوافز (مؤشرات الأسعار) على قرارات الوكلاء الاقتصاديين الخاصة بتقليل الفاقد والمهدر من الأغذية.ة
يمكن أن يساعد فهم هذه السلوكيات واتخاذ القرار من قبل الجهات الفاعلة في سلاسل القيمة صناع السياسات على إعادة التفكير في جهود الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية وإعادة توجيها وإعطائها الأولوية، خاصةً في ظل أزمة كوفيد-١٩. ونتيجةً لتدابير احتواء الأزمة، ربما يكون من الصعب والمكلف على المزارعين وغيرهم من الجهات الفاعلة في سلاسل القيمة تنفيذ أنشطة تقليل الفاقد، ولهذا السبب، بالإضافة إلى الانخفاض المحتمل في أسعار البيع بتسليم المزرعة (بسبب التباطؤ الاقتصادي) يمكننا توقع زيادة الفاقد في الأغذية.ة
تتزايد المخاوف حاليًا من أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى زيادة الفاقد في مرحلة ما قبل الحصاد، خاصًة في محاصيل الفواكه والخضروات، حيث أنه من المؤسف أن يعتقد المزارعون أن ترك المنتجات في الحقول أكثر فعالية من حيث التكلفة. وفي حين أن ارتفاع معدلات الفاقد ينبغي أن تساعد في نهاية المطاف على "رفع مستوى" الأسعار، ينبغي أن يفكر صانعو السياسات قصيرة ومتوسط الأجل في آليات فعالة لمساعدة المزارعين على الحد من الفاقد مع تحقيق أهداف أعمالهم الخاصة. ومن أمثلة هذه الآليات: تقليل تكاليف العمالة التي يدفعها المنتجون، وتجنب قيود التصدير، والتخفيضات المؤقتة لضريبة القيمة المضافة، وتسهيل وصول المزارعين مباشرةً إلى المستهلكين.ة
:المراجع
منظمة الأغذية والزراعة. ٢٠١٩. تقرير حالة الأغذية والزراعة ٢٠١٩. السير قدمًا باتجاه الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية. روما
منظمة الأغذية والزراعة. ٢٠١٤. تقييم الفاقد من الأغذية. الأسباب والحلول. دراسات حالة من القطاعين الفرعيين الزراعة ومصائد الأسماك صغيرة النطاق. مبادرة توفير الأغذية. روما
أنريكيز، جيه، فوستر، و، سانتوس روتشا، جيه، أورتيجا، جيه وجانسن، أس، ٢٠٢٠ "تعديل تعريف الفاقد والمهدر من الأغذية من وجهة النظر الاقتصادية: دور المنتجين والوسطاء والمستهلكين في عملية صنع القرارات الرئيسية". القاهرة، منظمة الأغذية والزراعة.ة