فيروس كوفيد-١٩ والحماية الاجتماعية: من الحماية الفعالة من الأزمات إلى الاعتماد على الذات
٥ أكتوبر ٢٠٢٠
بسمة يسا - مساعد باحث أول في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
لقد فرضت الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد-١٩ ضغوطًا متزايدة غير مسبوقة على مستويات الفقر العالمية. ولمواجهة ذلك، لجأت الحكومات بسرعة إلى استخدام وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا بالآثار السلبية لتفشي فيروس كوفيد-١٩. عقد المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ سبتمبر الندوة الثالثة والثلاثين من سلسلة ندوات تقييم الأثر وبناء القدرات حول قضية "كوفيد-١٩ والحماية الاجتماعية: من الحماية الفعالة من الأزمات إلى الاعتماد على الذات". هدفت الندوة إلى مناقشة الاستجابة السياسية العالمية للجائحة، مع تسليط الضوء على دور شبكات الأمان الاجتماعي في التخفيف من الآثار السلبية للأزمة وتدابير واستراتيجيات السياسات المنفذة في مصر لمنع المزيد من انتشار الفقر وتعزيز المرونة الاقتصادية الشاملة من خلال أنظمة الحماية الاجتماعية.ة
ناقش الدكتور دان جيليجان، زميل أبحاث أول ونائب مدير شعبة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، الدور البارز الذي تلعبه شبكات الأمان الاجتماعي، على المستويين الوطني والعالمي، كواحدة من السياسات التي تقدم استجابة فورية لاحتواء الآثار الاقتصادية المدمرة لأزمة كوفيد-١٩. واستجابةً للأزمة، زادت تدابير الحماية الاجتماعية العالمية بشكل كبير لتصل إلى ٨٠٠ مليار دولار أمريكي في ١١٩ دولة. وتُفسر هذه الزيادة من خلال الأدلة العالمية المتزايدة على فعالية برامج الحماية الاجتماعية في الحد من ضعف الفقراء وتأثرهم بالأزمات، وتحسين الأمن الغذائي، وتعزيز رأس المال البشري ومستويات الصحة، ولا سيما في فترات الأزمات. كذلك، اقترح دكتور جيليجان تصميم شبكات الأمان الاجتماعي في فترات الأزمات بتغيير أساليب تقديم الخدمة، ووقف شروط تلقي المساعدات بشكل مؤقت، وتوسيع نطاق الاستهداف، وتعزيز التغطية والدعم المالي للاستجابة من خلال المساعدة الاجتماعية، والأهم من ذلك مواجهة الأزمة مع وضع "المستقبل في الاعتبار". كما يتم تدعيم فعالية شبكات الأمان الاجتماعي على المستوى الوطني بواسطة نجاح البرنامج المصري "تكافل وكرامة" الذي أدى إلى زيادة النفقات الشهرية للأسر بنسبة ٧٫٣% والنفقات الغذائية بنسبة ٨٫٣%.ة
ناقشت الدكتورة هبة الليثي، أستاذة بجامعة القاهرة، المزيد من الأدلة المستندة إلى الأبحاث حول تأثيرات أزمة كوفيد-١٩ على الأسر المصرية، وأكدت كذلك على دور شبكات الأمان الاجتماعي في حماية الأسر من الضغوط الاقتصادية المتزايدة في ظل الأزمة. واستنادًا إلى الجولة الأخيرة لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك على مستوى الأسر، أفادت نسبة ٧٣% من الأسر بانخفاض في مستويات الدخل، نتيجة التدابير الاحترازية التي طبقتها الحكومة المصرية وفقدان الوظائف وانخفاض الطلب بوجه عام. وقد ذكرت الدكتورة هبة أن "٣١٫٨٪ من الأسر المقيمة في المناطق الحضرية و٣٤٫٣٪ من الأسر المقيمة في المناطق الريفية قد أفادت بأن مستويات الدخل لا تكفي لتلبية احتياجاتها". كما أدت التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-١٩ إلى تغيير أنماط استهلاك الأسر بسبب انخفاض مستويات الدخل المصحوبة بالارتفاع العام في الأسعار. وأدى اضطرار الأسر إلى زيادة استهلاكها من المستلزمات الطبية والمنظفات إلى إجبارها على تقليل استهلاكها لبعض السلع الأساسية. وفي الواقع، أفادت نسبة ٧٤% من الأسر بانخفاض في استهلاك السلع الغذائية باهظة الثمن نسبيًا مثل اللحوم والدواجن والأسماك، واتجاهها نحو استهلاك سلع أقل ثمنًا مثل الأرز وزيت الطعام والبقوليات.ة
أثرت التداعيات السلبية لفيروس كوفيد-١٩ على جميع القطاعات الاقتصادية في سوق العمل المصري مما أدى إلى ارتفاع مستويات البطالة. ويتضح من أبحاث الدكتور هبة أن ٥٥٫٧٪ من الأفراد الذين تمت مقابلتهم أصبحوا يعملون لعدد أقل من الساعات والأيام، بينما أصبح ٢٦٫٢٪ منهم عاطلين عن العمل و١٨٪ يعملون بشكل متقطع.ة
وردًا على التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كوفيد-١٩، قامت الحكومة المصرية بتوسيع نطاق تغطية برنامج تكافل وكرامة حيث تم تسجيل ١٠٠ ألف مستفيد في البرنامج في أبريل ٢٠٢٠. ويتضح الأثر الكبير لبرنامج تكافل وكرامة على الحد من الفقر في نتائج دراسة المحاكاة التي أوضحت أنه في حالة عدم وجود أي تحويلات نقدية، فإن معدلات الفقر كانت لتصل إلى ٣٠٫٩٪ مقارنةً بـ ٢٨٫١٪ نتيجةً لبرنامج تكافل وكرامة.ة
سلطت الأستاذة نهلة زيتون، أخصائية الحماية الاجتماعية في البنك الدولي، الضوء على تدابير الاستجابة الاجتماعية المقترحة قصيرة ومتوسطة الأجل، وذلك فيما يتعلق باستراتيجية الاستجابة لأزمة كوفيد-١٩ في مصر. اشتملت طرق الاستجابة الفورية التي طبقتها الحكومة المصرية على توسع برنامج تكافل وكرامة أفقيًا وليس رأسيًا من خلال مراجعة عتبة اختبار المؤشرات البديلة للسماح لأكثر الأشخاص تأثراً بتفشي فيروس كوفيد-١٩، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتأهل للاستفادة من البرنامج. وقد تم استكمال التوسع في برنامج تكافل وكرامة من خلال تقديم تحويل نقدي لمرة واحدة بقيمة ٥٠٠ جنيه مصري للعمال في القطاع غير الرسمي وغير المنتظمين الذين يتعرضون بشدة لمخاطر الوقوع في براثن الفقر لمدة ٣ أشهر.ة
تم اقتراح تدابير أخرى على المدى القصير ولكن لم يتم تنفيذها بعد، مثل توسيع برامج المساعدة التي تركز على التغذية من خلال زيادة الإعانات الغذائية والوجبات المدرسية لتقليل نفقات الأسر. وتتمثل الاستجابة المقترحة متوسطة الأجل في تنفيذ الأشغال العامة كثيفة العمالة في فترة ما بعد الأزمة، وزيادة خدمات الرعاية الصحية والإسكان الاجتماعي ودعم أجرة وسائل النقل العام للفقراء وتوسيع نطاق برامج التخرج سعيًا وراء إخراج الأسر من الفقر بشكل نهائي، وزيادة الشمول المالي، خاصةً لأصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة وتعزيز الثقافة المالية بوجه عام.ة
في سياق معالجة التكاليف المالية والبُعد الخاص بالاستدامة لبرامج شبكات الأمان الاجتماعي، قدم الدكتور عاطف الشبراوي، مستشار وزارة التضامن الاجتماعي ومدير برنامج فرصة، برنامج فرصة الجديد الذي تنفذه الوزارة: برنامج تخرج من الفقر للمستفيدين من برنامج تكافل وكرامة. ويعد برنامج فرصة خطوة حاسمة لضمان الاستدامة المستقبلية لنظام الحماية الاجتماعية في مصر، حيث أنه يُمكّن الأسر من الخروج من دائرة الفقر، ومنع اعتمادها على التحويلات النقدية على المدى الطويل، مما يوفر مساحة لمشاركة أسر جديدة في البرنامج. ويشتمل البرنامج على خيارات تصميم مبتكرة لنقل الأصول وطرق التوظيف والمواءمة بين الوظائف والمتقدمين لها، من خلال التعاون الإيجابي مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.ة
الخاتمة
لقد فرضت العواقب السلبية الوخيمة لجائحة كوفيد-١٩ مخاطر كبيرة على الفقراء والأشخاص الأكثر ضعفاً، مما يؤكد الأهمية القصوى والدور المهم الذي تقوم به أنظمة الحماية الاجتماعية القوية في قمع هذه الآثار السلبية. وعلى الرغم من ذلك، فإن التوسع في أنظمة الحماية الاجتماعية يجب أن يتم في إطار الموضوع الرئيسي وهو "وضع المستقبل في الاعتبار"، وهذا ما أوضحه الدكتور جيليجان. يستلزم ذلك إعطاء الأولوية للسمات المهمة في تصميم برامج الحماية الاجتماعية مثل التغذية والمساعدة الاجتماعية التي تراعي الفوارق بين الجنسين، وضخ المزيد من الاستثمارات في الدفع عبر الهاتف المحمول والدفع الإلكتروني. كما أبرزت الأستاذة نهلة زيتون الأهمية المتزايدة لرقمنة المدفوعات والتحويلات النقدية، ولا سيما في ضوء جائحة كوفيد-١٩.ة
وأكدت الأستاذة نهلة زيتون على ضرورة الاستفادة من البنية التحتية الحالية في مصر من خلال دمج السجل الوطني الموحد والسجل الاجتماعي لوزارة التضامن الاجتماعي، من أجل تحسين تحليل ملامح الأسر واستهداف برامج شبكات الأمان الاجتماعي. وبالتوازي مع ذلك، يمكن تعزيز زيادة الاعتماد على الاتصالات والتفاعل عن بعد من خلال الاستفادة من الإمكانات الكاملة للأنظمة الحالية مثل، الآلية المميكنة لمعالجة الشكاوى التي صممتها وزارة التضامن الاجتماعي لتلقي الشكاوى ذات الصلة ببرنامج تكافل وكرامة.ة
أخيرًا، يسلط البُعد الخاص باستدامة برامج شبكات الأمان الاجتماعي، كما ناقشه الدكتور عاطف، الضوء على أهمية برامج التخرج من الفقر مثل برنامج "فرصة" لمنع الاعتماد غير المحدود على التحويلات النقدية على المدى الطويل. سيضمن "التخرج" من الفقر بطريقة فعالة تعزيز مرونة واستدامة تدخلات الحد من الفقر وأنظمة الحماية الاجتماعية.ة