٢٥ أبريل ٢٠٢١
بقلم جو سوينين، المدير العام للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وجون ماكديرموت، مدير برنامج منظومة الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدوليّة بشأن الزراعة من أجل التغذية والصحة والرئيس المشارك لمركز كوفيد-19 التابع للمنظومة.ه
©shutterstock_1727068084
تسببت جائحة كوفيد-19 في اضطرابات غير مسبوقة في التفاعلات الاجتماعية، مما أثر على كل من المعروض من الغذاء والطلب عليه. وقد أدت هذه الاضطرابات في الوظائف والدخل والإمدادات الغذائية إلى تضخيم التفاوتات القائمة وتفاقمها. وفي حين عانت الطبقة المتوسطة الحضرية الناشئة من خسائر أكبر في الدخل، عانى الفقراء والمستضعفون في المناطق الريفية والحضرية من أسوأ الآثار المعيشية. وتعطلت العديد من البرامج الاجتماعية، مثل برامج التحويلات النقدية والتغذية والتعليم، أو تأخر تنفيذها أو توقفت، مما يستلزم العمل لعقو طويلة للحد من الفقر والجوع وسوء التغذية والأمية. ورغم بذل الجهود لمعالجة هذه التفاوتات، فإنها قد تستمر على الأرجح، حيث يتم طرح اللقاح العالمي بجرعات موزعة بشكل غير متناسب في البلدان الغنية والأفراد الميسورين نسبيًا.ه
أكدت الأبحاث التي أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وشركاؤنا خلال العام الماضي على هذه الآثار، لكنها أيضًا سلطت الضوء على إمكانيات معالجة العديد من هذه المشكلات التي طال أمدها. وبدلاً من التغييرات التدريجية التي خلفتها الجائحة على النظم الغذائية، إلا أن الدروس المستفادة منها توفر فرصة فريدة للتغيير الهيكلي الحقيقي الذي يمكن أن يجعل هذه النظم أكثر كفاءة ومرونة وصحة واستدامة وإنصافًا. والجائحة لم تنته بعد، ولكن بينما نحن نتطلع إلى المستقبل، يجب على صانعي السياسات التطلع إلى المزيد من التغييرات الأساسية في النظم الغذائية اللازمة، والاستفادة من الإجراءات التي تتخذها مختلف القطاعات والتكيف مع الصدمات المتعددة مثل المرض والمناخ والاقتصاد والصراعات.ه
لقد عانى الفقراء في البلدان منخفضة الدخل من أسوأ عواقب الجائحة، فعلى سبيل المثال، خفضت الأسر التي شملتها الدراسة في بنغلاديش وميانمار وإثيوبيا إنفاقها على الغذاء بأكثر من الربع في المتوسط. وفي بنغلاديش، أفاد أكثر من ثلث الشباب الذين شملهم المسح بانعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل أو شديد خلال فترات الإغلاق، مع بقاء بعض الأسر بدون طعام ليوم كامل.ه
ولم يتوقف الأمر عند قلة كميات الطعام التي يتناولها الناس، بل إنهم يتبعون أنماطًا غذائية سيئة. وقد خلصت الأبحاث إلى أن انخفاض الدخل، وكذلك إغلاق الأسواق التقليدية وغيرها من الاضطرابات في الإمداد بالمنتجات الطازجة، قد تسببت في اتباع أنماط غذائية أقل تنوعًا، والاعتماد على الأطعمة النشوية و المجهزة بشكل كبير. ومن المحتمل أن تؤدي مثل هذه الاتجاهات الغذائية إلى تفاقم معدلات زيادة الوزن و السمنة المرتفعة بالفعل في العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.ه
لقد أدت أزمة كوفيد-19 بكل تعقيداتها إلى الإخلال بالتوازن السياسي، وأفسحت المجال لحدوث تغييرات كبيرة. في السياسات والبرامج المنفذة لمواجهة الجائحة، نشاهد مؤشرات توضح كيف يمكن للابتكارات والإصلاحات والتوسعات أن تخفف من آثار الصدمات الكبرى، فضلاً عن إمكانية إحداث تغيير طويل الأجل. ولعل أبرز مؤشر على هذه الإمكانات هو النمو الهائل في برامج الحماية الاجتماعية التي تم تنفيذها في وقت مبكر. والهدف من مثل هذه البرامج هو الحد من الفقر وسوء التغذية من خلال توفير الغذاء أو المال أو صور المساعدات الأخرى، وهناك مجموعة كبيرة من الأدلة التي تثبت فعالية هذه البرامج.ه
وفي سبيل مواجهة الجائحة، ساهمت العديد من هذه البرامج في جميع أنحاء العالم في زيادة المزايا، أو اتسع نطاقها لتشمل مستفيدين جدد. وفقًا للبنك الدولي، ارتفع عدد برامج الحماية الاجتماعية المنفذة عالميًا في عام 2020 من 103 برنامج في مارس إلى 1179 في ديسمبر الأول. وقد تم توسيع نطاق هذه البرامج في البلدان متوسطة الدخل وحققت مزيد من الفعالية عندما كان من الممكن توسيع البرامج المنفذة بالفعل. هناك القليل من البلدان منخفضة الدخل التي عليها أن تُكثف برامج الحماية الاجتماعية. ومن إحدى الاستثناءات هنا دولة إثيوبيا، حيث توصل المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن برنامج شبكة الأمان الإنتاجية الذي تنفذه البلاد قد عوض بشكل شبه كامل الزيادة التي سببتها الجائحة في معدلات انعدام الأمن الغذائي بين الأسر الفقيرة في المناطق التي تحظى بخدمات البرنامج. توفر هذه الاستجابات المتعددة المتمثلة في برامج الحماية الاجتماعية دروسًا مهمة - ولا سيما في البرامج التي يمكن أن توفر قاعدة دعم للفقراء والمستضعفين يمكن توسيعها وتكييفها للاستجابة للصدمات.ه
سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء أيضًا على فوائد الاستثمار في البيئات المواتية للابتكار التجاري. وشهدت البلدان ذات البنية التحتية القوية والأسواق المرنة والأنظمة السياسية المتجاوبة بشكل عام تكيف الأعمال على طول سلاسل الإمداد الغذائي مع الظروف التي خلفتها الجائحة. في بعض البلدان متوسطة الدخل، على سبيل المثال، قفزت التجارة الإلكترونية بنسبة 100٪ مع إغلاق الأسواق وحث الناس على البقاء في منازلهم. وتشير هذه القفزة والقدرة على التكيف إلى الحاجة الملحة إلى الاستثمار في الرقمنة، خاصةً في المناطق الريفية التي تنتج معظم الأغذية في العالم ولكنها تتأخر في الاتصال الرقمي.ه
ودون أدنى شك، فشلت العديد من الأعمال التجارية أيضًا في ظل هذه الأزمة، وكانت بعض الاستجابات السياسية أقل فعالية، وغالبًا ما أدت بعض التدابير الاحترازية المتخذة لاحتواء الفيروس مثل الإغلاق إلى صعوبات شديدة، خاصةً بالنسبة للفقراء الذين يميلون إلى الاعتماد على العمل البدني للحصول على دخل. وإدراكًا لحدوث المزيد من الصدمات، ولا سيما في سياق تغير المناخ، سواء الجوائح الجديدة، أو الكوارث الطبيعية، أو إخفاقات السوق مثل أزمة أسعار الغذاء في 2007-2008، يجب أن نتحرك الآن لتغيير أنظمتنا الغذائية حتى تصبح قادرة على الصمود أمام الصدمات بجميع أنواعها ونطاقها وتخدم جميع سكان العالم على قدم المساواة. وإن قصص النجاح والفشل التي شهدناها العام الماضي ينبغي أن توجهنا جزئياً في هذه العملية.ه
لم يشهد العالم مثل هذا الوقت من قبل: لقد غيّرت جائحة كوفيد-19 الأمور الممكنة سياسيًا، مما يدل على إمكانات السياسات السليمة ومدى الحاجة العاجلة إليها. وستركز الفعاليات العالمية الكبرى التي تقام هذا العام، بما في ذلك قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، ومؤتمر تغير المناخ (الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف)، ومؤتمر قمة التغذية من أجل النمو، على الاهتمام الدولي بتحويل النظم الغذائية، ويمكن أن تكون بمثابة محفزات للعمل. ستكون القيادة الوطنية والمحلية، إلى جانب المجتمع المدني، حاسمة في تصميم وتنفيذ السياسات التي تترجم الالتزامات إلى تحول شامل. ويجب أن نغتنم هذه الفرصة لجعل أنظمتنا الغذائية أقوى في أعقاب جائحة كوفيد-19 -- أكثر مرونة وأكثر استدامة وأكثر إنصافًا عما كانت عليه من قبل.ه
نبذة عن المؤلفين: جو سوينين هو المدير العام للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وجون ماكديرموت هو مدير برنامج منظومة الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدوليّة بشأن الزراعة من أجل التغذية والصحة والرئيس المشارك لمركز كوفيد-19 التابع للمنظومة.ه
***
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذه المدونة هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي لقمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية.ه
ظهر هذا المنشور لأول مرة على الموقع الرسمي لقمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لعام 2021.ه