قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال الصناعات الزراعية على الصمود أمام الصدمات
١٨ يوليو ٢٠٢١
بقلم توماس ريردون، ويوهان سوينين، وروب فوس
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ه
كشفت جائحة كوفيد-١٩ عن ضعف سلاسل توريد الغذاء، وكذا قدرتها على التأقلم والصمود. كان السبب الرئيسي وراء تعطل سلاسل توريد الغذاء من المزرعة إلى منافذ البيع بالتجزئة هو إجراءات الإغلاق التي فرضتها الحكومة، وغيرها من القيود التي تؤثر على توافر العمالة وتوفير المستلزمات والخدمات اللوجستية والبيع بالجملة والتجزئة والخدمات الغذائية. وأظهرت سلاسل توريد الغذاء أيضًا قدرًا كبيرًا من المرونة والقدرة الابتكارية للتكيف مع ما واجهته من صدمات رئيسية في جانبي العرض والطلب. وتقدم طرق استجابة هذه السلاسل دروسًا تُثري أحد الموضوعات الرئيسية لقمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية ٢٠٢١: كيفية تحسين قدرة النظم الغذائية على الصمود أمام الصدمات والضغوط.ه
اختلفت تأثيرات الجائحة على سلاسل توريد الغذاء باختلاف نوع المنتج. وتبين أن الإنتاج الميكانيكي للحبوب وغيرها من المواد الغذائية الأساسية في المزارع الكبيرة أقل عرضة للخطر مقارنةً بإنتاج الفواكه والخضروات كثيفة العمالة في المزارع الصغيرة. وزاد تعرض عمليات ما بعد الحصاد وتعبئة العديد من الأغذية القابلة للتلف - وأبرزها تعبئة اللحوم – وتجهيزها وتصنيعها للمخاطر بسبب تفشي فيروس كوفيد-١٩ بين العمال بسبب ظروف العمل عن قرب.ه
كما اختلفت التأثيرات ذاتها باختلاف البلدان ودرجة تكامل أسواق الغذاء وتحديثها. وتتسم مراحل تحول سلاسل توريد الغذاء في المناطق النامية بأنها تقليدية وانتقالية وحديثة. وكانت البلدان التي تتطور فيها النظم الغذائية من سلاسل التوريد التقليدية القصيرة إلى سلاسل التوريد الانتقالية، هي الأكثر عرضة لتعطل التوريد، والقيود المفروضة على تحركات العمالة.ه
سلاسل الإمدادات الانتقالية هي سلاسل طويلة بالفعل (تمتد من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية) وتعتمد في قطاعات ما بعد المزرعة على الخدمات اللوجستية والعمالة المستأجرة؛ ولا تزال العُقد بين المزرعة ومنافذ التجزئة مجزأة، وتُهيمن عليها العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفي إفريقيا وجنوب آسيا، تحديدًا، عانت سلاسل توريد الغذاء من القيود، حتى قبل جائحة كوفيد-١٩، بسبب عدم كفاية سعة التخزين والمعالجة التي يتم التحكم في درجة حرارتها، و/أو ضعف البنية التحتية للنقل، و/أو تفكك أسواق المدخلات، و/أو معاناة الموردين من نقص التمويل. جعلت هذه العوامل سلاسل التوريد عرضة بشكل خاص للقيود المصاحبة للجائحة، فعلى سبيل المثال، تسبب حظر التجول في خسائر في الغذاء، حيث كان يجب نقل المواد الغذائية القابلة للتلف في درجات الحرارة والرطوبة النهارية وليس أثناء فترات الليل الباردة، أو لعدم قدرة العمالة المستأجرة على الحضور إلى العمل. ه
كانت سلاسل توريد الغذاء الحديثة هي الأقل تأثرًا بشكل عام، ولديها قدرة أكبر على التكيف والابتكار لمواصلة العمل. واستفادت الشركات الكبيرة في سلاسل الإمداد الحديثة من بعض التحكم في توريد المُدخلات وقنوات التسويق، ومرونة أكبر للتبديل بين الموردين داخل شبكاتهم وبين الأسواق المستهدفة، والموارد الكافية لابتكار عمليات الأعمال.ه
في العقود الأخيرة، أخذت البلدان النامية في تطبيق طريقتين شاملتين من أشكال التحديث. وأنشأ بعض المشغلين على نطاق واسع سلاسل الإمداد رأسية التكامل للتحكم في تسليم المدخلات والمخرجات والحد من تكاليف المعاملات، بينما تستخدم سلاسل متاجر السوبر ماركت الكبيرة الأخرى والتجار ومصنعو الأغذية مجموعة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتنفيذ خدمات النقل والخدمات اللوجستية والتوزيع والتسليم. وأظهرت سلاسل الإمداد رأسية التكامل بشكل عام قدرًا أكبر من المرونة والقدرة على التكيف والابتكار أثناء الجائحة. ومن ناحية أخرى، كانت سلاسل التوريد التي تهيمن عليها المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة للمخاطر، حيث كانت أقل قدرة على التكيف مع القيود المفروضة على الحركة التي تأثر بها العمال (في حالات الاعتماد على العمالة المستأجرة، بدلاً من أفراد الأسرة)، وكانت عرضة لعدم استقرار توفير المدخلات وخدمات النقل (خاصةً عندما تكون سعات التخزين والمعالجة غير مناسبة).ه
يتضح هذا التباين الشديد في القدرة على التكيف مع صدمة كوفيد-١٩ في سلاسل توريد الفواكه والخضروات الطازجة في السنغال. وكانت الشركات الحديثة رأسية التكامل وواسعة النطاق، والتي تنتج حصريًا الفواكه والخضروات لأسواق التصدير هي الأقل تضررًا، وتمكنت من تكييف العمليات التجارية للتحايل على القيود المفروضة على العمالة، وضبط قنوات التسويق. وعلى النقيض من ذلك، تأثرت المزارع الصغيرة والتجار وعمال المناولة الذين يعملون في الأسواق المحلية التي تفتقر إلى التكامل في السنغال بشدة بسبب القيود المفروضة على العمالة و تعطل توريد المدخلات، والتي تفاقمت بسبب عدم إمكانية التخزين المناسب والقدرة المحدودة على إدارة المخاطر.ه
في إثيوبيا، تأثرت سلاسل توريد الخضروات بشدة أيضًا بسبب الاضطرابات في النقل، وفي توريد المدخلات الزراعية الرئيسية. وفي إطار مواجهة الجائحة، فرضت الحكومة قيوداً تجارية لحماية المنتجين المحليين من منافسة المنتجات المستوردة. وكان التأثير على مزارعي الخضار الإثيوبيين متباينًا: حيث استفاد البعض وخسر البعض الآخر. استفاد هؤلاء المزارعون الذين تمكنوا من البيع في الأسواق الحضرية من انخفاض المنافسة المحلية والعالمية وارتفاع الأسعار، لكن خسر المزارعون الذين لم يتمكنوا من تبادل منتجاتهم مع مناطق أخرى في البلاد. ومع ذلك، كانت مزارع الخضروات الأصغر حجمًا في إثيوبيا أقل تأثراً باضطرابات كوفيد-١٩ مقارنةً بالمزارع متوسطة الحجم، حيث تعتمد المزارع الصغيرة بدرجة أقل على العمالة المستأجرة.ه
تمكنت بعض المزارع الصغيرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل توريد الغذاء من التكيف والاستمرار أثناء الجائحة من خلال الاستفادة من منصات التجارة الإلكترونية وتعديل عملياتها التجارية. في الصين، على سبيل المثال، تمكنت أعداد كبيرة من أصحاب الحيازات الصغيرة، غالبًا من خلال جمعياتهم التعاونية، من إنشاء متاجرهم الخاصة عبر الإنترنت عبر منصات التجارة الإلكترونية التابعة لجهات خارجية والإعلان من خلال مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي وتجاوز الوسطاء والبيع مباشرةً للمستهلكين وتحسين دخلهم. ويبدو أن نموذج الأعمال الزراعية الجديد هذا يعمل بشكل جيد، ولا سيما في المناطق التي تحتوي على منتجات زراعية خاصة وبنية تحتية ملائمة وخدمات لوجستية.ه
بدأت المشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال تصنيع وتجهيز الأغذية في البيع مباشرةً للمستهلكين استجابةً لقيود التنقل المفروضة بسبب الجائحة. في تايلاند، على سبيل المثال ، نظمت المشروعات الصغيرة والمتوسطة مبيعات عبر الإنترنت باستخدام وسائط مختلفة، مثل موقع الفيس بوك وشبكات الهاتف المحمول وتطبيقات التوصيل المحلية الخاصة بهذه المشروعات، حيث تمكنت من التنافس مع شركات التجارة الإلكترونية المرتبطة بالأجانب (مثل شركة لازادا التابعة لشركة علي بابا). في أماكن أخرى، تمكنت مجموعات المزارعين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال الأغذية من بناء صورًا جديدة للتأقلم والصمود من خلال الارتباط بشركات التجارة الإلكترونية الكبيرة. في إندونيسيا، على سبيل المثال، عملت بعض مجموعات المزارعين مع شركة علي بابا و هي شركة منافسة لشركة بيندودو. عانت مجموعة Rumah Sayur Group، وهي مزرعة خضروات تعاونية تضم ٢٥٠٠ مزارع، من انخفاض بنسبة ٦٠٪ في الطلبات بسبب الجائحة. وتمكنت من استعادة المبيعات بإقامة تكوين شراكة مع موقع علي بابا لبيع الخضار مباشرةً للمستهلكين. وفي الوقت نفسه، تقوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من التجارة الإلكترونية ووسطاء التوصيل بتسهيل مبيعات المزارع بشكلٍ مباشر. في ماليزيا، يساعد وسيط توصيل الأسماك MyFishman.com هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في مجال صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية على البيع من خلال الاشتراكات في توصيل المأكولات البحرية الطازجة، وبالتالي تجنب الاضطرار إلى البيع في الأسواق الرطبة أو التواصل شخصيًا مع المستهلكين.ه
وهكذا أظهر المزارعون وشركات الأغذية ضعفًا كبيرًا وقدرة على التكيف مع صدمة كبرى مثل كوفيد-١٩ على حد سواء ، في حين أظهرت الشركات الكبيرة قدرة أكبر على الابتكار والتكيف، إلا أن العديد من مجموعات المزارعين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وجدت فرصًا جديدة وسط الأزمة، سواء في الشراكات أو المنافسة مع الشركات الكبرى العاملة في سلاسل توريد الغذاء. وتضمنت التعديلات مرونة الوصول إلى العمالة وشراء المنتجات والتسويق والتكنولوجيا (لا سيما استخدام التجارة الإلكترونية)، والمرونة المالية.ه
ينبغي أخذ هذه التطورات في الاعتبار عند وضع جدول أعمال التحول الخاص بقمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية، حيث من المُرجح أن يستمر انتشار هذه الابتكارات التنظيمية، التي كانت وحدها تقريبًا بمثابة سبل خالصة لاستجابة السوق، إلا أنها اعتمدت بشكلٍ كبيرٍ على الظروف التي أوجدها الاستثمار العام والسياسات العامة المتعلقة بإنشاء البنية التحتية الأساسية والوصول إلى الإنترنت ومؤسسات السوق، وكلها عوامل مطلوبة لتكامل سلسلة القيمة وخفض تكاليف الوصول إلى الأسواق. وعند غياب هذه الظروف، أو عدم تمكن أصحاب الحيازات الصغيرة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من الوصول إليها، ينبغي على الحكومات أن تتدخل لتقديم دعم هادف لتسهيل الوصول إلى خدمات الهاتف المحمول بأسعار معقولة، وتيسير دخول هذه المشروعات إلى الأسواق، وتجنب الابتكارات التي تؤدي إلى زيادة عدم المساواة في أسواق الغذاء. ومن شأن هذا الدعم أن يحسن القدرة على الصمود في وجه الصدمات والاضطرابات المستقبلية، وأن يُسهم في التحول الشامل والمستدام للنظم الغذائية.ه
يتقلد توماس ريردون منصب أستاذ في جامعة ولاية ميتشيغان، وهو مسؤول التنسيق في مسار العمل الخامس لقمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية المنوط يالمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ ويعمل يوهان سوينين بوظيفة المدير العام للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ورئيس مشارك لعامل التغيير المالي في القمة؛ ويعمل روب فوس مديرًا لقسم البحث في الأسواق والتجارة والمؤسسات في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وهو عضو في فريق قيادة مسار العمل الثاني للقمة.ه
**
ظهر هذا المنشور لأول مرة كجزء من سلسلة خاصة من التحليلات حول قمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية وتحول النظم الغذائية. ويمكن الوصول إليه عبر هذا الرابط. للاطلاع على السلسلة الكاملة انقر هنا.ه
© Sven Torfinn/Panos الصور بواسطة