بقلم كيبروم أباي، ونورين كراتشيوالا، وسيكندرا كردي، ويسرا سلامة

نظرًا لاعتماد مصر على الواردات الغذائية، فإنها معرضة بشكلٍ خاص لارتفاع أسعار الغذاء العالمية والصدمات التجارية الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022. تمثل الواردات أكثر من 40٪ من استهلاك السعرات الحرارية لدى المصريين، وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، إذ كانت تستورد حوالي 85٪ من القمح من روسيا وأوكرانيا قبل بدء الحرب. ومنذ ذلك الحين، أدى الاضطراب في سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار السوق العالمية، وعوامل أخرى، إلى ارتفاع حاد في تضخم أسعار الغذاء محليًا، ليصل إلى 31٪ في نوفمبر الماضي، وهذا يعد في حد ذاته سببًا رئيسيًا لارتفاع معدل التضخم السنوي الإجمالي، الذي ارتفع من 6٪ إلى 19٪ بين يناير ونوفمبر 2022 (البنك المركزي المصري، 2022) - وهو أعلى معدل سجلته البلاد في خمس سنوات.
في هذا المنشور، نستعرض نتائج دراسة استقصائية أُجريت مؤخرًا لتقييم كيفية استجابة الأسر الفقيرة في مصر لهذه الضغوط الاقتصادية، وكيف أثرت جهود الحماية الاجتماعية التي بذلتها الحكومة المصرية على الاستهلاك منذ بدء الحرب. تشير تلك الدراسة إلى أن العديد من الأسر الفقيرة اضطرت إلى تقليل استهلاكها من بعض الأطعمة المغذية غير المدعومة، بينما لم يتأثر استهلاكها من الأطعمة المدعومة، مما يشير إلى الدور المهم الذي يلعبه البرنامج الوطني لدعم الغذاء.
ارتفعت معدلات التضخم السنوية لبعض المجموعات الغذائية عن النسبة الإجمالية البالغة 31٪ (شكل رقم 1). وتجدر الإشارة إلى أن معدل تضخم الخبز والحبوب قد تضاعف أربع مرات تقريبًا خلال فترة النزاعات.

الأسر الفقيرة هي الأكثر تأثرًا بتضخم أسعار المواد الغذائية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أنها تخصص الحصة الأكبر من دخلها لاستهلاك المواد الغذائية، ولكن ربما تدعم البنية التحتية القوية للحماية الاجتماعية الأسر الضعيفة خلال صدمات أسعار الغذاء. ولاحتواء هذه الأزمة، تقوم مصر بضخ استثمارات كبيرة في برامج الحماية الاجتماعية ودعم الغذاء، فعلى سبيل المثال، تستفيد حوالي 73٪ من الأسر المصرية من البرنامج الوطني لدعم الغذاء "تمكين" (وزارة التموين والتجارة الداخلية، 2019). طوال فترة النزاع، استمرت الحكومة المصرية في دعم المواد الغذائية الرئيسية، مع الحفاظ على أسعارها دون تغيير. وبالتالي، يمكننا أن نتوقع اختلاف استجابة الأسر للأغذية المدعومة وغير المدعومة.
قام المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بإجراء دراسة استقصائية على أكثر من 6000 أسرة فقيرة وشبه فقيرة في جميع أنحاء مصر عبر الهاتف في أكتوبر ونوفمبر 2022، حيث سُئلت الأسر عن تصورها لكيفية تغير عاداتها الاستهلاكية منذ مارس 2022، وأسباب هذا التغيير، والتغيرات التي لاحظوها على الأسعار، والاستراتيجيات التي اتبعوها للاستجابة لصدمات الأسعار والتأقلم معها.
يعرض الشكل رقم 2 التغيرات في استهلاك المواد الغذائية التي أبلغت أكبر نسبة من الأسر عن بقاء استهلاكها كما هو أو انخفاضه. بشكلٍ عام، عند السؤال عن 21 مادة غذائية، أبلغت الأسر عن انخفاض استهلاكها من الأطعمة غير المدعومة، وزيادة طفيفة في استهلاك الأطعمة المدعومة أو عدم تغير استهلاكها. أفاد العديد من المشاركين في الدراسة أنهم قللوا استهلاكهم من المواد الغذائية غير المدعومة. على سبيل المثال، أفادت 85٪ من الأسر تقليل استهلاكها من اللحوم، و75٪ انخفاض استهلاكها من الدجاج والبيض، وهو أمر منطقي نظرًا للزيادات الكبيرة في أسعار هذه المواد. ولكن من المؤسف أن هذه المجموعات الغذائية تحتوي على نسبة كبيرة من المغذيات وتحتوي على مصادر رئيسية من البروتين، مما يشير إلى انخفاض محتمل في جودة النظام الغذائي. وتعتبر الأسماك والحليب أيضًا مصادر مهمة للبروتين والمواد المغذية الأخرى التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار.


وعلى العكس من ذلك، أبلغت بعض الأسر عن زيادة استهلاكها لمجموعات غذائية أقل قيمة لتقليل إنفاقها على الغذاء. ولم تبلغ الأسر إلا بزيادة استهلاكها من نوعين من المواد الغذائية وهما، البطاطس (21٪ من الأسر) وأنواع المعكرونة غير المدعومة (14٪ من الأسر). وهذه المواد الغذائية من النشويات، أي أنها تحتوي على عناصر غذائية أقل قيمة. ويوضح الشكل رقم 2 أيضًا أن معظم الأسر أبلغت بعدم تغير استهلاكها من الأغذية المدعومة الرئيسية (الخبز والسكر والزيت)، في حين أفادت 24٪ من الأسر انخفاض استهلاكها من أنواع الخبز غير المدعوم.
تشير هذه الأنماط إلى احتمالية التحول من المنتجات غير المدعومة إلى المنتجات المدعومة. ومن الجدير بالملاحظة أنه ربما حدثت هذه التغييرات في أي وقت منذ مارس 2022، وبالتالي فإن حجم الآثار يعكس جزئيًا الفترة الطويلة التي ربما قللت خلالها الأسر من استهلاكها لمختلف أنواع المواد الغذائية.
وعند سؤال الأسر عن أسباب تقليل استهلاك بعض المواد الغذائية، أفاد أكثر من الثلثين أن ارتفاع الأسعار كان السبب الرئيسي وراء ذلك. بينما ذكرت أكثر من 70٪ من الأسر أن انخفاض استهلاكها من الدجاج والبيض يرجع إلى زيادة أسعارها، وأشارت 85٪ من الأسر إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم كان السبب وراء انخفاض استهلاكهم لها (شكل رقم 3). ويتفق ذلك مع معدلات التضخم في أسعار السلع كما هو موضح في الشكل رقم 1. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التغيرات متوقعة، أما أنماط الاستهلاك الفعلية فقد تتطور بشكلٍ مختلف، وهذا ما أبرزه مقترح في دراسة حديثة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وتظهر الدراسات الحديثة التي تقارن الآثار المتصورة لجائحة كوفيد-19 والتراجع الفعلي في معدلات الاستهلاك أن التغييرات المتصورة أكبر من الانخفاض الفعلي في الاستهلاك. وسوف نستكشف ذلك من خلال تحليل إضافي سنجريه، بالإضافة إلى دور برامج الحماية الاجتماعية البديلة في التخفيف من الآثار السلبية لتضخم أسعار المواد الغذائية.




وفي نهاية الدراسة الاستقصائية، سُئلت الأسر عن كيفية استجابتها لصدمات أسعار الغذاء (شكل رقم 4). ربما تسفر بعض استراتيجيات الاستجابة تلك عن آثار سلبية دائمة على سبل كسب العيش. على سبيل المثال، يُمكن أن يؤدي بيع الأصول الإنتاجية أو تقليل الاستثمارات في التعليم والصحة إلى التأثير سلبًا على تراكم رأس المال البشري وتقليل الدخل في المستقبل. وأفادت غالبية الأسر لجؤها إلى استراتيجية التوقف عن سداد الديون (84٪)، يليها التحول إلى مواد غذائية وعلامات تجارية منخفضة الجودة (70٪)، ثم تقليل استهلاك الغذاء (47٪). كما أفادت نسبة كبيرة من الأسر عن تقليل نفقاتها على الصحة (43٪)، والتعليم (25٪)، وهو ما قد يُخلف آثارًا جسيمة على رفاه تلك الأسر في المستقبل.

على الرغم من الزيادة الكبيرة في أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية، كالخبز والحبوب، تشير هذه النتائج إلى أن برنامج الدعم الحكومي للغذاء قد يحمي جزئيًا استهلاك الأسر لهذه المواد الغذائية. ومن المؤسف أن الكثيرين يضطرون إلى التحول من تناول المواد الغذائية الغنية بالبروتين والتوجه إلى المواد الأقل قيمة غذائية، ولكنه أمر متوقع، وقد يؤدي إلى مضاعفة عبء سوء التغذية، وتفاقم معدلات زيادة الوزن والسمنة المرتفعة بالفعل في مصر، والتي ترتبط بدعم المواد الغذائية وما يصحبها من استهلاك الأغذية ذات الكثافة من حيث الطاقة. وبالتالي، واجهت الأسر المصرية الفقيرة صعوبات كبيرة في عام 2022، مما سيؤدي في النهاية إلى منع الكثيرين من الخروج من دائرة الفقر.
كيبروم أباي هو زميل باحث ومدير برنامج مصر التابع للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. ناورين كاراتشيوالا هي زميلة أبحاث في قسم الفقر والصحة والتغذية في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. سيكندرا كردي زميلة باحثة في قسم إستراتيجية التنمية والحوكمة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في القاهرة. يسرا سلامة هي باحثة مساعدة أولى في قسم إستراتيجية التنمية والحوكمة في القاهرة. يعتمد هذا المنشور على بحث لم يخضع لمراجعة النظراء. والآراء الواردة هنا هي آراء المؤلفين.
يشكل هذا العمل جزءًا من المبادرات البحثية التي تنفذها نظام الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية حول السياسات والاستراتيجيات الوطنية، إذ أطلقت الجماعة السياسات والاستراتيجيات الوطنية مع شركاء وطنيين ودوليين لبناء اتساق السياسات، والاستجابة لمتطلبات السياسات والأزمات، ودمج أدوات السياسة على المستويين الوطني ودون الوطني في ستة بلدان في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ومن المراكز التابعة للجماعة الاستشارية التي تشارك في السياسات والاستراتيجيات الوطنية: التحالف الدولي للتنوع البيولوجي، والمعهد الدولي للزراعة الاستوائية، والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، والمعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية، والمعهد الدولي لإدارة المياه، والمركز الدولي للبطاطا، والمركز العالمي للأسماك. نود أن نشكر جميع الممولين الذين دعموا هذا البحث من خلال مساهماتهم في الصندوق الاستئماني للجماعة الاستشارية.
