بقلم روب فوس، وإسمهان الوافي، ويوهان سوينين
هل فات الأوان لإنقاذ سكان غزة من المجاعة؟ وفقًا للتقييم الأخير الذي أعدته الشراكة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، اقترب نصف السكان على الأقل، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، من الدخول في مرحلة المجاعة.
وفقًا لهذا التقييم، تعرض 685,000 شخص لمستويات "كارثية" من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو ظروف شبيهة بالمجاعة في أوائل مارس/آذار – وهذا يعكس تدهورًا واضحًا عن التقييم السابق الذي أُجري في ديسمبر/كانون الأول 2023. وفي سيناريو محتمل للغاية لاستمرار تصعيد النزاع، من المتوقع أن يتعرض 1.1 مليون شخص في غزة للمجاعة وخطر الوفاة بسبب الجوع في الأسابيع أو الأشهر المقبلة (جدول رقم 1).
صدقت لجنة مراجعة المجاعة التابعة لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل على صحة هذا التقييم، وذكرت أنه لا يمكن تجنب المجاعة أو التخفيف من حدتها إلا من خلال الوقف الفوري للأعمال العدائية وتمكين الوكالات الإنسانية من الوصول الكامل إلى غزة لتوفير المياه والغذاء والإمدادات الطبية، واستعادة الخدمات الأساسية للصحة وإمدادات مياه الشرب والصرف الصحي والطاقة لجميع السكان في قطاع غزة.
في حالة عدم وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، واستمرار القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فإن احتمالات تجنب واحدة من أكبر المجاعات في التاريخ الحديث تكاد تكون معدومة. وقد ازداد الأمر سوءًا بعد أن استهدفت الهجمات الإسرائيلية على غزة مستودعات المواد الغذائية المخصصة للمساعدات الإنسانية، وقتلت مدنيين كانوا في انتظار تلك المساعدات.
ترى مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل أن المجاعة "وشيكة" في المحافظات الشمالية وفي قطاع غزة وشمال غزة، كون هذه المناطق هي الأكثر تضررًا من الأعمال العدائية، وهذا ما أدى إلى تدمير شديد للمنازل والبنية التحتية والخدمات الأساسية، فضلاً عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي الزراعية وسبل كسب العيش.
وفقًا لتقديرات التصنيف المرحلي المتكامل، اضطر ما لا يقل عن نصف السكان في شمال غزة إلى النزوح قسرًا بحثاً عن ملجأ في المحافظات الجنوبية. ومع بداية شهر مارس/آذار، تم تصنيف ما يقدر بنحو 55 في المائة أو 165,000 من السكان المتبقين في شمال غزة في المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل (مرحلة الكارثة) ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70 في المائة (أي 210,000 شخص) ما لم يتمكن السكان من الوصول الفوري إلى المساعدات الإنسانية الكافية (شكل رقم 1). وتشير التقديرات ذاتها كذلك إلى أن جميع سكان غزة في المناطق الشمالية يعيشون إما في مستويات كارثية (المرحلة الخامسة من التصنيف) أو مستويات الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف) من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتكاد جميع الأسر في شمال غزة تتخلى عن وجباتها كل يوم، ويقلل البالغون كميات الطعام التي يتناولونها حتى يجد الأطفال ما يأكلونه. ومع ذلك، يعاني طفل واحد على الأقل من كل ستة أطفال من سوء التغذية الحاد، وترتفع أعدادهم بسرعة، وتشير الأدلة المتاحة أيضًا إلى ارتفاع حاد في وفيات الأطفال، مما دفع مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل إلى التلميح باقتراب حدوث مجاعة في شمال غزة.
وبالمثل، يتدهور الوضع بسرعة أيضاً في المحافظات الجنوبية مثل خان يونس ودير البلح ورفح، حيث يتركز حاليًا أكثر من 85 في المائة من سكان غزة. وفي أوائل مارس، تم تصنيف 27 في المائة من السكان بأنهم يواجهون ظروفًا شبيهة بالمجاعة (المرحلة الخامسة)، مسجلين ارتفاعًا بنسبة 14 في المائة في أوائل ديسمبر 2023 (شكل رقم 2). ومن المرجح أن ترتفع هذه النسبة إلى ما يقرب من 50٪ (أو أكثر من 900,000 شخص) في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وفقًا لتوقعات التصنيف المرحلي المتكامل. ومن المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 50 في المائة في خانيونس ودير البلح، بينما ستؤثر المجاعة في رفح على 45 في المائة من السكان.
وبالتالي، خلص التصنيف المرحلي المتكامل إلى ارتفاع مخاطر تأثير المجاعة على جميع المحافظات الجنوبية في الفترة من منتصف مارس/ آذار إلى منتصف يوليو/ تموز 2024. ومن المتوقع أن تظهر هذه المخاطر في السيناريو الذي يفترض ارتفاع احتمالات تصعيد الصراع في الجنوب، وكذا في رفح واستمرار الهجمات العسكري في خان يونس، فضلا عن استمرار القيود الصارمة على توزيع المساعدات الإنسانية. ومن شأن هذه الظروف أن تزيد من عمليات النزوح من رفح إلى منطقة المواصي، وهو قطاع ضيق يقع على الساحل الجنوبي لقطاع غزة.
ويُشكل تدهور ظروف الصحة العامة مشكلة أخرى ذات صلة، حيث أن السيناريو الحالي لا يأخذ في الاعتبار احتمال تفشي الأوبئة بسبب الأمراض المعدية، إلا أن مخاطر تفشي الكوليرا والأمراض المعدية الأخرى تتزايد مع تدهور الظروف الصحية. وسوف تتعذر مكافحة أي من هذه الأوبئة دون استعادة الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية، ودون إنهاء الممارسات العدائية.
وأخيرًا، يؤدي هذا الوضع الحرج لانعدام الأمن الغذائي إلى تفاقم نقص التغذية بين الأطفال، الذي ينتج عن عدم كفاية كميات الغذاء، وزيادة نقص المغذيات الدقيقة – التي تعد مُشكلة خطيرة تؤدي إلى آثار طويلة الأجل على الصحة والتنمية. وأدى الضرر الذي لحق بالإنتاج المحلي من الغذاء إلى انخفاض حاد في توافر الفواكه والخضروات، وهي المصادر الرئيسية للمغذيات الدقيقة. ولا تعوض الحصص الغذائية التي تقدمها وكالات المعونة (غالبًا ما تكون من الدقيق والزيت النباتي) هذا النقص، لذا، فمن الأهمية بمكان أن تعمل الوكالات الإنسانية على توفير حصص غذائية متوازنة وكافية من المغذيات. وبمجرد أن تسمح الظروف الأمنية بذلك، فإن التحويلات النقدية واستعادة البنية التحتية للسوق والأراضي الزراعية المتضررة ستساعد في الوصول إلى الغذاء على أساس السوق على التعافي واستعادة فرص كسب العيش.
وربما تكون هذه آخر دعوة صريحة لجميع الأطراف لاتخاذ خطوات ملموسة لتجنب هذه الكارثة الإنسانية الضخمة الوشيكة. ووفقًا للنتائج التي توصل إليها التصنيف المرحلي المتكامل، يصعب إيجاد أي طريقة لإبطاء التحرك السريع نحو الكارثة دون وقف فوري لإطلاق النار، وإيجاد طريقة لإيصال إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والأدوية، وتوفير إمدادات الصرف الصحي والنظافة بأدنى درجات الكفاية والملاءمة. لذا، سيكون الفتح الفوري وغير المقيد للمعابر البرية أمام المساعدات الإنسانية أمرًا ضروريًا، خاصةً بعد أن تبين أن الجهود الأخيرة لجلب الإمدادات عبر البحر ومن خلال عمليات الإنزال الجوي إما بطيئة للغاية أو غير فعالة.
إن الخروج من أزمة الغذاء الحالية وتجنب وقوع كارثة إنسانية وشيكة ليس بالأمر اليسير، ولكنه ما زال ممكنًا، شريطة وقف الأعمال العدائية على الفور، وتمكين المساعدات الإنسانية المعززة من الدخول إلى غزة دون قيود - وفي أسرع وقت ممكن.
روب فوس هو مدير وحدة الأسواق والتجارة والمؤسسات في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. أسمهان الوافي هي المديرة التنفيذية للجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية؛ ويوهان سوينن هو المدير الإداري لتحويل الأنظمة في للجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، والمدير العام للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين.