التداعيات على التغذية والأمن الغذائي
نينا يوفانوفيتش وجوزيف غلاوبر
في يونيو 2024، رفعت الحكومة المصرية سعر الخبز البلدي المدعوم إلى 20 قرشًا [1] (0.004 دولار) للرغيف، وهو ما يمثل زيادة بمقدار أربعة أضعاف عن السعر السابق الذي كان 5 قروش. تم تحفيز هذا التغيير – الذي يعد الأول من نوعه منذ عام 1989 – بسبب عدد من العوامل: الاعتماد الكبير لمصر على استيراد القمح نتيجة قلة الأراضي الزراعية القابلة للزراعة والنمو السكاني المتزايد، إلى جانب ارتفاع أسعار القمح العالمية وسط الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى ضعف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في مارس 2024، وجهود الحكومة لتقليل الإنفاق العام.
لطالما كانت أسعار الخبز قضية سياسية حساسة في مصر. في عام 1977، خفض الرئيس أنور السادات الدعم الحكومي، مما أدى إلى احتجاجات عُرفت باسم "انتفاضة الخبز"، التي أجبرته في نهاية المطاف على التراجع عن إصلاحات الدعم. وفي عام 2011، نزل المصريون إلى الشوارع للاحتجاج على نظام الرئيس حسني مبارك بشعارات تطالب بـ "العيش، الحرية، والعدالة الاجتماعية". وفي عام 2017، أثارت مقترحات وزارة التموين المصرية للحد من توفير الخبز المدعوم من 4000 رغيف إلى 500 رغيف لكل مخبز احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
يُعتبر القمح محصولًا أساسيًا في النظام الغذائي المصري، كما هو الحال في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بسبب الاستهلاك المرتفع للخبز البلدي. ورغم تراجع استهلاك الفرد من القمح في مصر في السنوات الأخيرة (الشكل 1)، إلا أن القمح لا يزال يشكل حوالي 35% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية. يستعرض هذا المقال كيف تأثر برنامج دعم الغذاء في مصر بتغيرات واردات القمح نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار القمح المحلية المستمر نتيجة ضعف الجنيه المصري.
1 شكل
تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا على مشتريات القمح المصرية
مع تزايد صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا خلال العقد الثاني من القرن الـ21، أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على هاتين الدولتين؛ وبحلول عام 2022، كانتا تمثلان حوالي 75% من إجمالي واردات القمح. الحرب، التي بدأت فبراير 2022، عطلت قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود، وتأثرت الشحنات الروسية أيضًا في الأشهر الأولى. ومع ذلك، كانت أزمة إمدادات القمح العالمية مؤقتة، حيث استأنفت كلا البلدين صادراتهما، وأتاحت الأسواق العالمية مصادر بديلة. وهكذا، تمكنت مصر من الحفاظ على حجم وارداتها بعد انخفاض أولي.
استجابت مصر في البداية بشراء القمح من موردين آخرين، مثل رومانيا وفرنسا (الشكل 2)، ولكن بحلول نهاية 2022 استعادت الصادرات الروسية وتيرتها السابقة، مدعومة جزئيًا بمحصول روسي كبير وأسعار منخفضة. كما ساعدت مبادرة حبوب البحر الأسود، التي أُطلقت في نهاية يوليو 2022، أوكرانيا على استئناف الشحنات من موانئ حول أوديسا، على الرغم من انخفاض حصة أوكرانيا من واردات القمح المصرية بشكل ملحوظ مقارنة بما كانت عليه في 2021، حيث كانت تمثل أكثر من 30% من السوق.
2 شكل
رغم التحديات في تأمين القمح خلال المراحل المبكرة من الحرب، بلغ إجمالي واردات مصر من القمح 10 ملايين طن متري (MT) في عام 2022، وهو نفس الكمية تقريبًا التي تم استيرادها في العام السابق. كانت حصة روسيا من إجمالي الواردات حوالي 54% في عام 2022، بينما انخفضت حصة أوكرانيا إلى أقل من 7%. في عام 2023، بلغت الواردات 8.7 مليون طن متري، حيث كانت روسيا وأوكرانيا تمثلان 75% و13% على التوالي. في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 (أحدث البيانات المتاحة)، سجلت مصر واردات قمح بلغت 3.4 مليون طن متري، حيث شكلت روسيا وأوكرانيا معًا 92% من هذه الواردات. وارتفعت حصة أوكرانيا خلال هذه الفترة إلى أعلى مستوى لها منذ بدء الحرب.
أسعار القمح المحلية المرتفعة
بينما حافظت مصر على إمدادات ثابتة من واردات القمح، تأتي المشكلات الحالية من ارتفاع تكاليف الاستيراد بسبب ضعف الجنيه المصري، حتى مع انخفاض الأسعار العالمية.
ارتفعت أسعار القمح العالمية بأكثر من 40% في الأشهر التي تلت بداية الحرب، ومع ذلك، ارتفعت أسعار القمح المقومة بالجنيه المصري أكثر من ذلك (بما يصل إلى 60% فوق مستويات يناير 2022 بحلول مايو 2022). بدأت أسعار القمح بالجنيه المصري في الانخفاض بعد انخفاض الأسعار العالمية، ولكن هذا الانخفاض كان قصير الأمد؛ حيث استمرت الأسعار بالارتفاع بالعملات المحلية مع ضعف الجنيه المصري مقارنة بالدولار الأمريكي. بحلول يونيو 2024، كانت أسعار القمح الدولية تتداول بأكثر من 20% أقل من مستويات يناير 2022، بينما ظلت أسعار القمح بالجنيه المصري أعلى بنسبة 65% من مستويات يناير 2022.
شكل 3
سعر القمح المحلي المرتفع بسبب قوة الدولار الأمريكي مقارنة بالجنيه المصري يعني أن الحكومة المصرية يجب أن تدفع المزيد لاستيراد القمح—مشكلة ساهمت في قرارها لرفع سعر الخبز البلدي المدعوم.
برنامج الخبز البلدي في مصر
يتكون برنامج دعم الغذاء المصري "تموين" من مكونين رئيسيين (Breisinger et al., 2023). أولاً، تسمح بطاقات التموين الذكية للمستفيدين بالحصول على السلع المدعومة[2] من متاجر تموين بقيمة تصل إلى 50 جنيهاً مصرياً لكل مستفيد شهرياً. ثانياً، يمكن للمستفيدين الحصول على خمس أرغفة من الخبز البلدي لكل فرد يومياً بالسعر المدعوم، وبحد أقصى أربعة مستفيدين لكل أسرة، باستخدام البطاقة الذكية. يمكن تحويل أي بدل غير مستخدم من الخبز البلدي إلى نقاط على البطاقة الذكية بمعدل 1 قرش = 0.5 نقطة (أي، رغيف خبز بلدي = 10 نقاط) واستبدالها بسلع مدعومة أخرى. لم يؤثر زيادة سعر الخبز البلدي على عمليات برنامج دعم الغذاء وسعر تحويل بدل الخبز البلدي غير المستخدم إلى نقاط على البطاقة الذكية.
الخبز هو أحد الأساسيات الرئيسية في مصر، واستفاد 73 مليون شخص (حوالي 65% من السكان) من برنامج دعم الخبز البلدي في 2023. لا يزال سعر الخبز المدعوم الجديد البالغ 0.20 جنيه مصري أقل بكثير من السعر الحالي في السوق الذي يتراوح بين 1-2 جنيه[3]، ولكنه سمح للحكومة بتقليل حصتها من تكلفة دعم إنتاج الخبز البلدي من 96% إلى 84%.
كانت زيادة سعر الخبز البلدي المدعوم الأخيرة أحدث إجراء حكومي، بعد تقليص حجم الرغيف [4] وإضافة دقيق الذرة إلى الوصفة في جهود لتقليل التكاليف المتزايدة للإنتاج. ومع ذلك، تتطلب تلك التكاليف المتزايدة أن تخصص الحكومة حوالي 91 مليار جنيه مصري (1.85 مليار دولار) لدعم الخبز البلدي في ميزانيتها للسنة المالية 2024/25 (حوالي 14% من إجمالي ميزانية الدعم والمساعدات الاجتماعية)، بزيادة قدرها 7 مليار جنيه مصري (140 مليون دولار) أو 8.3% عن العام السابق (MOF، 2023؛ MOF، 2024).
لطالما اعتُبرت دعم الغذاء في مصر وسيلة أساسية لدعم الأسر الفقيرة خلال الصدمات الاقتصادية مثل انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الغذاء. ومع ذلك، وجدت الأبحاث السابقة من IFPRI أن الدعم له تأثير غير مقصود، مما يسهل على المستفيدين تحمل نظام غذائي غير متوازن ومنخفض التنوع لا يوفر ما يكفي من المغذيات الدقيقة الأساسية، مما يساهم في سوء التغذية بين الأطفال والأمهات في الأسر المستفيدة (Ecker et al., 2016). بعبارة أخرى، تُولد هذه الإعانات حوافز معكوسة: يميل المستهلكون إلى شراء الأطعمة المُدَعمة غير الصحية وعالية السعرات الحرارية بأسعار أقل بكثير من الأسعار السوقية بدلاً من الأطعمة غير المدعومة الأكثر تغذية والمباعة بأسعار أعلى نسبيًا.
ستجعل الأزمة الاقتصادية المستمرة في مصر هذا السلوك أكثر شيوعًا. إن الزيادة الأخيرة في سعر الخبز المدعوم، جنبًا إلى جنب مع معدل التضخم الحالي البالغ 29%، تزيد بشكل كبير من تكلفة سلة الغذاء—مما يفاقم من تدهور الأمن الغذائي والتغذوي للأسر. مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية غير المدعومة، ستواجه الأسر خسائر في الدخل الحقيقي ستدفعها لاستهلاك الأطعمة المدعومة ذات السعرات الحرارية العالية التي لا تتأثر أسعارها. علاوة على ذلك، زادت زيادة سعر الخبز البلدي المدعوم من قيمة بدل الخبز البلدي غير المستخدم، مما قد يشجع المستفيدين على استبدال الخبز بسلع مدعومة أخرى.
التداعيات السياسة
بشكل عام، تشير هذه الضغوط الاقتصادية إلى أننا سنشهد تغييرات في أنماط استهلاك الأطعمة المدعومة وغير المدعومة في الفترة المقبلة—ولا نتوقع أن تتمكن الأسر الفقيرة من التحول إلى أنظمة غذائية أكثر تغذية وتوازنًا تحت النظام الحالي لدعم الغذاء. كخطوة أولى لتحسين الأمن الغذائي للتغذية للأسر الفقيرة في مصر، يمكن للحكومة أن تفكر في توسيع سلة الغذاء المدعومة لتشمل الأطعمة الغنية بالمغذيات الدقيقة، وخاصة الفواكه الطازجة والخضروات واللحوم. علاوة على ذلك، سيوفر دمج المخصصات النقدية للمستفيدين مرونة لاختيار السلع الغذائية التي تتناسب بشكل أفضل مع احتياجاتهم الاستهلاكية. يجب أن تصاحب كلا النهجين حملات لزيادة الوعي والمعرفة حول أهمية النظام الغذائي المتوازن والمتنوع.
نينا يوفانوفيتش هي زميلة بحثية في وحدة استراتيجيات التنمية والحوكمة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ومقرها القاهرة؛ وجوزيف غلاوبر هو زميل بحثي أول في وحدة الأسواق والتجارة والمؤسسات في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية . الآراء الواردة تعبر عن وجهات نظر المؤلفين.
[1] جنيه مصري = 100 قرش؛ 1 جنيه مصري = 0.02 دولار أمريكي.
[2] تشمل السلع الغذائية المدعومة السكر، الزيت، مرق الدجاج، المعكرونة، الأرز، العدس، الفول، الدقيق، السمن الصناعي، الشاي، معجون الطماطم، التونة المبشورة، المربى، الجبنة المعالجة والطازجة، الحليب البودرة، الخل، الملح، الحلاوة، أربعة أنواع من البسكويت، الطحينة، والقهوة.
[3] سعر الخبز البلدي في السوق يتراوح بين 1 و2 جنيه مصري، حسب حجم الرغيف وجودته، وحسب حي المخبز.
[4] الرغيف المدعوم الأصلي كان يزن 168 جرامًا قبل عام 1984، بينما يزن اليوم فقط 80 جرامًا نتيجة عمليات الإصلاح الهادئة (Akhter et al., 2001).